«الكومبارس» تكشف مأزق الإنسان والثورة

ليست مهنة الكومبارس مجرد مورد رزق يتّكل عليه عبد المؤمن سعيد، بطل رواية «الكومبارس» (الدار المصرية اللبنانية) للكاتب المصري ناصر عراق بل أصبحت صفة ملازمة له في شخصيته وحياته. صار عبد المؤمن يؤدي أدواراً هامشية بعيدة عنه، فيظهر في مشاهد ثانوية بأجر قليل في فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني. أما زوجته فاكتشفت بعد رحيله أنه مجرد (شخص)، وتيقَّنت من أن جميل الشناوي هو مستودع الرجولة الحقيقي وأنّ عبد المؤمن «لم يكن زوجاً أو حبيباً لي… بل مجرد شخص عشت معه ربع قرن» (ص ٢٢٣).

يمكن اعتبار عبد المؤمن بطلاً عدمياً يرى الحياة من منظور العبثية واللاجدوى. كلّ شيء من حوله صار بلا معنى، الفرح والحزن السعادة والحب حتى مشاهد الطبيعة الفاتنة وهي تتنفس أولى نسمات وضوء الفجر أو زقزقة عصفور يبتهج لنور النهار هي أيضاً فقدت قيمة عنده. «الكل سيصير إلى مائدة دود الأرض».

حاول الكاتب ناصر عراق أن يلتمس لبطله الأعذار ويرسم أبعاد تاريخه المؤلم؟ والظروف المحيطة البائسة ســـاهمت في وصوله الى هذه المرحلة من العدمية، بدءاً من مشاهد طفولته التعيسة المتخمة بذكريات خيانة أمه لوالده مع النجار تارة والجزار تارة أخرى وصولاً إلى مقتلها على يد والده وهي متلبسة بخيانتها.

وعلى رغم أنّ عبد المؤمن سعى الى تجاوز قدره التعس، وأن يتفوق في دراسته حتى يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ظلّت سلسلة الخذلان والهزائم ترافقه من أول حبّ في حياته مروراً بفايزة الســعدني؛ رفيقة المعهد التي تخلَّت عنه وتزوَّجت من حسن والي والذي بدوره سرق منه النجومية والشهرة وفرصته الأولى في التمثيل لمجرّد أن والده الثري (تاجر الدواجن) أسَّس له شركة إنتاج سينمائي وتلفزيوني وليس إنتهاءً بمقتل نجله (يحيى). وقد جاء موت ابنه مثل قشة قصمت ظهر البعير، بعدما ظلّ يُجابه مأسوية حياته بوجود ابنه جنبه وحلمه بأن يبقى ويُخلّد ذكراه بعد موته.

ويحمل العمل بعداً سوسيولوجياً، فهو يحيل إلى ملامح «سلفنة» المجتمع المصري مع بداية سبعينات القرن الماضي وهذا ما يتعزز عبر دلالات منها الاسم (عبد المؤمن)، فضلاً عن كونه يمثل بسلوكه عموماً نموذج التدين الشكلي. لقد فرض عبد المؤمن الحجاب على زوجته (إيمان)، ولم يقتنع برأيها أن «الدين معاملة وأخلاق لا أزياء وملابس» (ص ٢٨٠).

هذا التدين الشكلي لم يمنعه من أن يجرّب الحشيش وأشياء أخرى، بل يتمادى في الأمر حتى يقتل شــريكه في تجارة المخدرات.

لم يجد عبد المؤمن في الحياة (بكل ملذاتها وتعاستها) سوى مآل أخير هو دود الأرض. العالم كله، بما في ذلك وجود الإنسان، لدى عبد المؤمن عديم القيمة وخال من أي مضمون أو معنى حقيقي. لكنّ عقل عبد المؤمن، على عكس فلاسفة المذهب الوجودي يجعله يدرك أن معنى العدم هو الوجه الآخر للوجود. وهذه رؤية تكاد تتطابق مع رؤية من لا يرون في الحياة سوى معبر للآخرة، علينا فقط اجتيازها بأقل قدر من الذنوب.

استخدم النص الروائي توازياً سردياً بين اللحظة الآنية والفلاش باك من أول الرسالة التي تركها عبد المؤمن خلفه واختفى، وصولاً إلى مقتله.

كما لجأ إلى حيلة تبادل الخطاب الروائي على لسان كل شخصية من شخصيات النص والتي تماست مع مقدمات ووقائع ومجريات ثورة ٢٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١ .

نجح الكاتب في رصد كواليس الثورة المصرية التي اندلعت ضد مشروع توريث الحكم، وضد القمع وكبت الحريات وتكميم الأفواه وضد ممارسات الشرطة المهينة. وهو ما أبرزته تماماً شخصية الضابط عاطف الخشَّاب؛ الذي كان لا يتورع عن ضرب زوجته، وإطلاق الرصاص على المتظاهرين الذين كان يعتبرهم بلطجية، أو عملاء لأعداء الوطن.

لم تكتف رواية «الكومبارس»، بوضع أحـــداث الـــثورة في خلفيتها، إنما حاولت تقديم رؤية هادئة لمأزق الثورة وكيف فشلت في تحقيق مطالبها، بينما مَن قفزوا عليها جنوا ثمارها.

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى