المخيم الفلسطيني في “مرج البحرين”

 

يعتبر المخيم الفلسطيني مادة دسمة للإبداع والكتابة والقص، فهو مفعم بمفردات الأدب الملتزم. ولعل هذا ما يلاحظ في رواية “مَرَجَ البَحرين” للكاتب الفلسطيني هيثم أبوالغزلان، فأبطال الرواية من أسرة فلسطينية وعدد من أصدقائها (أدوار رئيسية وأخرى ثانوية)، ومكانها أكبر مخيم للاجئين الفلسطينيين في لبنان “عين الحلوة” في جنوب لبنان، وشخصياتها تعيش الحياة كما هي بمتناقضاتها، وصعوباتها: الفقر، والكثافة السكانية، والمقاومة، والصمود، والهجرة، والتهجير، والمنفى، والمشهد العبثي في الاقتتال الداخلي وتداعياته المختلفة والصادمة، والتحرير والعودة؛ فتتشابك وجهات النظر والشخصيات الساردة. وهي رواية تقع  في (116 صفحة)..

ويعتبر المؤلف أن اختيار المخيم بوصفه مكانا أساسيا لأحداث الرواية ناتج عن أن الصراع في هذه الأوقات على وجود هذا المخيم. ولأن قضية العودة التي يحملها أهله تقودنا إلى أن نكون أو لا نكون ضمن سيرورة صراعية تهدف إلى تدمير المكان وإنهاء وجود ساكنيه تمهيدًا لإنهاء القضية الكبرى. وهذا ما يقاومه الفلسطيني فيحفر في صخر الوجع أمثولة نضال يومي تحفر من جديد عناد الفلسطيني وإصراره على البقاء و”الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا”.

ورد في الرواية على لسان إحدى الشخصيات:

“..لا يُسأل البحر عن المخيم، لكنّه يُسأل عن الشهداء والمنفى وأسرار الذين طاردهم فنشرها وغيّبهم. يُسأل عن أؤلئك الذين ضاعوا في متاهاته، وأؤلئك الذين ما ضلّوا ووصلوا الأرض بروحهم أو بلهفتهم والحنين. فتطفو جراحاتهم، ويعودون إلى وجه الأم الكنعانية، يعبرون مخاض الألم من المخيم إلى البحر إلى الوطن، فتغدو فلسطين فاصلة بين موجين”!

وورد في مكان آخر عن امرأة فلسطينية في مخيم عين الحلوة أثناء الاجتياج الإسرائيلي في العام 1982  تسمّرت رجلاها في مكانهما فمشهد الموت والدمار المخيف والقاتل حتى الثمالة جمّد الدّم في عروقها، فلا هي قادرة على التّقدّم إلى الأمام، ولا تستطيع العودة إلى الوراء.. انتظرت مع شقيقيها مرور أحد من أبناء المخيم، لكن انتظارها طال، كأنّ أهل المخيم اختفوا، أو رحلوا.. أصابها الذهول فهي لم تعتد سابقًا على رؤية المخيم دون ساكنيه

وورد أيضًا:

“أما السفن حين تشق عباب البحر، فمرة يوصلنا البحر إلى مبتغانا، ومرة إلى مبتغاه حيث يبتلعنا. فالكلُّ حين يجوع البحر يصبح طعامًا له. وحين تعلو أمواجه وتتبدّل أحواله يُدرك الإنسان أنه ليس النّبي نوحٍ لتنجيه السفينة، ولا المسيح ليمشي على الماء فَيَصِل إلى مبتغاه، أو النبي موسى ليفرق البحر فينجو ويُنجي أصحابه”.

 

 

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى