المسير الأطول في التاريخ’ سبعة أعوام من المشي المتواصل

 

دفعني الفضول بعد قراءة كتاب “المسير الأطول في التاريخ” الصادر عن دار “الآن ناشرون وموزعون” بعمان للبريطاني جورج ميغان أن أطلع على خريطة القارة الأميركية، فانتابني الوجل والفزع، وتداعت الأسئلة، كيف لإنسان أن يقرر تلك الرحلة المرعبة  والشاقة؟ ليست المسألة في الرحلة بل في الجنون الذي يمكن أن يتلبس الإنسان لطموحه، ويكون سجينا له، رغم المخاطر التي يمكن أن يواجهها في عدد من البلدان، إن لجهة الناس أو الطبيعة أو الكائنات الخطرة.

ميغان في الكتاب الذي ترجمه زياد طارق وراجعته وقدمت له د. هدى القضاة لم يُقر السفر بناقلة أو راحلة كما فعل الرحّالون العرب، أو في مركب كما فعل وقطع العالم في 80 يوما كما في رواية جون فيرن، بل قرر السفر مشياً على الأقدام بشكل متواصل دون توقف من أقصى القارة الجنوبية من جزيرة تييرا دايل فويغو في تشيلي مرورا بالأرجنتين والبيرو وكولومبيا وبمنا وكوستاريكا ونيكاراغوا وهندراوس والمكسيك والولايات المتحدة وما بين كل تلك البلدان من دول وحتى ألاسكا ليسجِّل اسمه في موسوعة غينتس.

وخلال ذلك تقول د. القضاة التي التقت به حينما زارها في عيادتها للعلاج وكان قادماً لعمل إنساني في مخيم الزعتري إنه استغرق خلال رحلته سبع سنين، من العام 1977 إلى العام 1983  وخلال ذلك بحسب د. القضاة استهلك 12 زوجا من الأحذية، وتزوج من صديقته اليابانية التي رافقته في جزء من الرحلة، ورزق بولدين.

وفي الكتاب الذي يقع في نحو 450 صفحة من القطع الكبير، وصدر أول مرة عام 1988 باللغة الإنكليزية ليترجم للغة اليابانية والإيطالية وخلال رحلته التي التقى فيها الرئيس الأميركي وقتذاك جيمي كارتر، لا يتوقف ميغان عند الصعوبات التي واجهها في رحلته التي بدأها وهو لا يملك إلا قليلا من المال وكثيرا من العزم والأصرار رغم تحذير الكثير من الأصدقاء ورجاء والدته.

مشيت الخطوات الأخيرة التي امتدت لسبعة أعوام، وصلت خلالها إلى حافة  المحيط المتجمد الشمالي، غمست يدي في مياهه البلورية الباردة، ثم جثوت مرهق الجسد والعاطفة عل ركبتي جاهشاً بالبكاء

وخلال الرحلة وبسبب من هيئته نتيجة السفر وووعثائها، فقد قوبل بالشك من مواطني البلدان التي زارها، وخصوصا الرسميين أو رجال الأمن، ولكنه في المقابل يثني على الناس البسطاء الذين كانوا يقدّمون له المساعدة، ويسجل على امتداد مسار الرحلة إعجابه بالهنود الحمر الذين يسكنون المناطق الجبلية في غالبية البلدان التي مر بها، ويصف فقرهم وبعض طقوسهم، ومنها رفض بعض الشعوب الهندية الموافقة على التقاط صور لهم لأنها تسرق أرواح الناس حسب معتقادتهم.

ويصف في أكثر من مرة تعرضه للقتل أو السلب، ولكن المهم في الرحلة تصويره لحالة الناس في أميركا الجنوبية التي تعاني من الفقر وانتشار الاستبداد وارتفاع نسبة الأمية رحلة ميغان في الأميركيتين ليست الأطول وحسب، ولكنها الأغرب بما تصف من تضاريس ومناخات متقلبة ومزاجات وعادات متباينة للناس في كل بلد، وهي ليست رحلة رومانسية، بل كانت رحلة شاقة وصعبة لأنها تتطلب حمل الطعام والماء بحساب دقيق بين الحاجة للشرب والأكل والمقدرة عل متابعة المسير دون زيادة الوزن، وللقارئ أن يتخيل عدد اللغات التي كانت تختلف من بلد إلى آخر، واختلاف العملات والسياسات والأزياء والأطعمة التي لم يعتدها ميغان، الذي كان ينام في العراء وأحيانا في بيوت المشردين لتوفير كلف الرحلة التي أنجزها.

قد يتساءل القارئ عن جدوى مثل هذه الرحلة التي قطع خلالها ميغان 30608 كيلو مترا في 2524 يوما، في 41 مليون خطوة والأجابة الحقيقية التي ظلت تتردد في رأس المؤلف أن الإنسان الذي يراه يعتقد أنه بذلك يحقق حريته، الحرية التي يتخفف فيها من كل شيء لمصلحة طموحه في أن يعرف العالم ويحقق المسير الأطول، ولكنه يدرك في الوقت نفسه أنه كان أسير طموحه.

ومن مناخات الرواية/ الرحلة التي حظي صاحبها بكثير من اللقاءات والمقابلات الصحفية والتلفزيونية:  “بعد ظهر 18 سبتمبر/أيلول 1983 وعلى الحافة الشمالية لألاسكا بخليج برودهو، مشيت الخطوات الأخيرة التي امتدت لسبعة أعوام، وصلت خلالها إلى حافة  المحيط المتجمد الشمالي، غمست يدي في مياهه البلورية الباردة، ثم جثوت مرهق الجسد والعاطفة عل ركبتي جاهشاً بالبكاء”

 

 

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى