جمانة حداد في «بنت الخيّاطة»  

 

تستعرض الكاتبة والصحافية اللبنانية جمانة حدّاد، في روايتها الصادرة مطلع العام الجاري، عن دار «هاشيت/‏أنطوان» في بيروت، تحت عنوان «بنت الخيّاطة»، بعضاً من ملحمة المآسي التاريخيّة المتعاقبة، الفرديّة والجماعيّة وذلك من خلال تسليط الضوء على أوجاع النساء العلنيّة، وتلك المدفونة منها في اللاوعي، وعلى مآسي الحروب والهجرات وأهوال التيه والوحدة، منذ بدايات القرن الماضي حتى الزمن الروائي الراهن.

والرواية هي عبارة عن ملحمة عائليّة عن نساءٍ ولدْن قبل شعارات النسويّة، وكنّ بطلاتها، حتّى وهنّ منكسرات: نساءٌ في حلب، نساءٌ في عنتاب، نساءٌ في القدس وفي الشام وفي بيروت.. نساءٌ من أزمنة مختلفة بمصير واحد، وبكثير من القصص والحب.

كما الموت.. وبين طيّاتها الخالية من الصخب والضوضاء والهتافات، تروي حدّاد، بلغتها الأدبيّة السلسة، وبكتابتها الحسيّة البصريّة، جملة من مآسي هؤلاء النسوة، التي يتوحّد فيها الألم الفردي بالألم الجماعي، في عقد متآلف ومتناسق ومتكامل.

هي قصص عن نساءٍ لم يجدْن حليباً لإرضاع أطفالهنّ في شتات رحلة الآلام الأرمنيّة الفظيعة، عن نساءٍ نُكّل بهن لافتداء بناتهنّ وعن نساءٍ اجتهدْن في الالتفاف على الحرب والجوع والفقر والذلّ..

وذلك، بدءاً من «سيرون الأرمنيّة، وكيلةُ الذلّ في الصحراء»، التي ليس في ذاكرتها إلّا أعمارُ التيه والإهانة والانحلال والموت، مروراً بـ «ميسان الفلسطينيّة، ابنة الأرض المذهّبة بالشمس، صاحبة العين التي تقاوم المخرز»، إذ تقول: «لن أسلّم مفاتيح البيوت، ولن أغلق الشرفات،.

ولن أغادر، حتى أشهد العودة إلى الأرض»، وبـ «شيرين اللبنانيّة» التي «تشرب» خراب لبنان وآلامه «ليعود القمر يزهو فوق جباله، من دون أن يعتري لحمه الأبيض جرحٌ أو هوان»، ووصولاً إلى «جميلة السوريّة، حارسة الوديعة»، التي يرد على لسانها قولها: «أرفع دمي في وجه الليل، ليكون جمرةً تحرق يد القاتل. اردموا السماء عليّ، اجعلوني تحت غيومٍ دائمة، ومدِّدوني في شرايين الماء لكي أنهمر».

وفي المحصّلة، تتوحّد الصور المتعدّدة في عبارة واحدة: «أنا الأرمنيّة، الفلسطينيّة، اللبنانيّة، السوريّة. أنا الجدّة والأمّ والابنة والحفيدة. أنا الرحم المدوّدة، الدورة التي بدأت بالانتحار، وانتهت بالانتحار»، وبسؤال واحد معلّق لأجل غير مسمّى: «كم من ميتات بعد عليّ أن أحصي، كم من حيواتٍ عليّ أن أرثي قبل أن أستحقّ الضوء؟».

وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ جمانة حدّاد، حازت جوائز عربيّة وعالميّة عدّة، فضلاً عن كونها صحافيّة ومترجمة، وأستاذة جامعيّة. شغلت منصب المسؤولة عن الصفحة الثقافيّة في جريدة «النهار» لأكثر من عشر سنوات، وعلّمت الكتابة الإبداعيّة في الجامعة اللبنانيّة- الأميركيّة في بيروت. وهي ناشطة في مجال المساواة وحرية التعبير وحقوق الإنسان.

اختارتها مجلة «آرابيان بيزنيس»، للسنوات الأربع الأخيرة على التوالي، واحدةً من المئة امرأة عربيّة الأكثر نفوذاً في العالم، بسبب نشاطها الثقافي والاجتماعي. ومن أعمالها: «عودة ليليت»، «هكذا قتلتُ شهرزاد»، «سوبرمان عربي»، «الجنس الثالث»، ومسرحيّة «قفص».

 

 

مجلة البيان الاماراتية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى