كتب

جون غرنجر: يوم تغلغل النفوذ السوريّ في الإمبراطورية الرومانيّة

نبدأ عرضنا لـ «التأثيرات السورية في الإمبراطورية الرومانية حتى عام 300 ت ش» (روتليدج ـ 2018) الممتع باحتجاج الشاعر الروماني جوفنيل على التأثيرات السورية في الإمبراطورية الرومانية/الرومية، إذ ينقل عنه قوله، معترضاً على الوجود السوري في مدينة روما: إن نهر العاصي كان يفرغ في نهر التيبر.

للتذكير، فإنّ الإشارة قديماً إلى سوريا عنت كامل المنطقة الواقعة من جنوبي فلسطين إلى سلسلة جبال طوروس شمالاً، ومن شرق تدمر إلى البحر المتوسط. بل إنّ الاسم «سوريا» عنى في بعض العهود القديمة كامل «بلاد الشام» وتجاوزها، وصولاً إلى البحر الأسود شمالاً وضم حتى القسم الأكبر من شبه جزيرة سيناء جنوباً. لكن المقصود هنا ما يُعرف باسم «المجال السوري-الفلسطيني» الذي يضم كلاً من سوريا ولبنان وعبر-الأردن وفلسطين المحتلة، وليس سوريا الإدارية في العهد الروماني.

الكاتب جون غرنجر، أكاديمي مستقل متخصّص في التاريخ القديم والحديث، قال: «كانت سوريا أحد أكبر مصادر الثروة في الإمبراطورية الرومانية، وفي الوقت نفسه مصدراً رئيساً للجنود والبضائع والآلهة والتجار. كانت هذه هي الحال أيضاً في أمكنة أخرى، بالطبع، لكن تركيز كل هذه العناصر في منطقة واحدة كان فريداً». وهدف هذا المؤلف النظر إلى هذه الأمور، وتأثيرات السوريين في الإمبراطورية، لأن إسقاط الجنود السوريين وآلهتهم وممارساتهم في أنحاء الإمبراطورية الرومانية كان له تأثير عميق فيها. بل يمكن اعتبار العملية برمتها، في الواقع، «استعماراً داخلياً» من السوريين للإمبراطورية الرومانية، باستثناء أنها كانت أقل حركة للأفراد، مع أنها تضمنت أيضاً الإبعاد الجسدي لأعداد كبيرة من شباب سوريين ونشرهم في مختلف أنحاء الإمبراطورية جنوداً دفاعيين.

وكانت سوريا مصدر ثروة تجارية أكبر من العديد من المحافظات الأخرى، ومنتجاً رئيسياً للنبيذ وزيت الزيتون، ومصدراً للقوى البشرية العسكرية، كما أسلفنا. فمن المعروف أن مصر زوّدت روما بالآلهة إيزيس وأوزوريس وسيرابيس، مثلما أرسلت اليونان زيوس وبوسيدون وأبولو وآخرين. لكن سوريا زوّدت الإمبراطورية بآلهة القدس والجزيرة العربية وفينيقيا، كدوليشينوس وجوبيتر هليوبوليتانوس وذي الشرى وأدونيس الفينيقي ويهوه وأترغاتيس. انتشرت الآلهة في أنحاء الإمبراطورية، وفي نهاية المطاف غيّرتها تغييراً عميقاً. فقد استولى أحد هؤلاء الآلهة، هو يهوه الذي تغير كثيراً، على الإمبراطورية بأكملها باسم المسيح. كما علينا تذكر أن سوريا مهد الآرامية بلهجاتها المختلفة التي أضحت لغة المشرق القديم وامتدت شرقاً لتشمل بلاد الأفغان.

انطلاقاً من هذه الحقائق وغيرها، فإن هدف المؤلف تتبّع تلك التأثيرات المختلفة كجزء من النظر في مشاركة سوريا والسوريين في حياة الإمبراطورية، ومحدودية ذلك.

موضوع الفصل الأول (سوريا الرومانية: المشهد السوري) الذي يلي التقديم، يرمي إلى تثبيت المنطقة التي يتناولها البحث وتاريخها في الحقب ذات الصلة.

الفصل الثاني «السوريون يستولون على الإمبراطورية»: هناك بعض الطرق التي مارس بها السوريون نفوذهم في الإمبراطورية الرومانية، وفق كلمات الكاتب، مع صعوبة تحديد نهائي لمدى ذلك التأثير ومشاركتهم في حياة الإمبراطورية. ففي إحدى الحالات، تألقت مجموعة من السوريين في التاريخ الإمبراطوري حيث احتل أباطرة من سلالة سبتمُس سفِرُس وغيرهم العرش الإمبراطوري. لكن احتلال سوريين عضوية مجلس الشيوخ ورجال الإكوايتس الرفيعي المستوى، ربما يكون مؤشراً أكثر تأكيداً على مشاركة السوريين في إدارة الإمبراطورية.

الفصل الثالث «سوريا قاعدة عسكرية رومية/ رومانية» يوضح كيف أن سوريا شكّلت القاعدة العسكرية الرئيسة في شرقي الإمبراطورية، ولعبت دوراً في كل الحروب التي شنتها روما على الأعداء في المناطق الشرقية، أي: السوريين والأرمن والفرتيين والرومان الآخرين.

الفصل الرابع «الجيش الرومي في سوريا»: كانت العلاقة بين سوريا والجيش الروماني التي بحثها الفصل الأسبق، جزءاً من علاقة قوة مسلحة ضخمة محتلة مصمّمة على إبقائها ضمن حدود الإمبراطورية، لكن في الوقت نفسه كان القصد من أن تكون رادعاً لأي هجوم فرتي محتمل، إضافة إلى أنها كانت مصدر تزويد أعداد كبيرة من الجند للفرق الرومانية، والذين تم إرسال معظمها إلى محافظات أخرى. علماً بأن الإمبراطورية الرومانية تركت وثائق تفصيلية كثيرة عن تحركات فرقها. من هنا، فإن هذا الفصل هو فحص أولي ضروري للفحص التفصيلي لتلك الوحدات السورية في الخارج في الفصل التالي.

الفصل الخامس ‹«سوريون في الجيش الروماني» خصّصه الكاتب للحديث في مدى تواجد السوريين في الوحدات المساعدة ذات مجموعة واسعة من القدرات ولا سيما المتخصصة في الرماة. كان الجنود الذين تم تجنيدهم في الجيش (والأسطول) أحد أسس ذلك الارتفاع ويمكن تقديرهم وتحديد موقعهم بسهولة نسبياً، ويمكن متابعة تجنيد هؤلاء الجنود السوريين وانتشارهم في أنحاء الإمبراطورية، من جنوب مصر إلى اسكتلندا.

الفصل السادس «تصدير الآلهة»: يُعد انتشار الآلهة السورية في الإمبراطورية الرومانية خارج سوريا أحد التطورات الدينية والثقافية الرئيسية في العلاقات السورية مع الإمبراطورية. كان ذلك الإقليم أرضاً خصبة لآلهة ذات قوة جذب كبيرة، والتي وجدت في نهاية المطاف أنها معبودة في معظم الإمبراطورية. كانت قصة النجاح النهائية هي قصة المسيحية – وهي ديانة سورية – لكن انتشار الديانة اليهودية معروف جيداً تقريباً، وإن لم يكن ناجحاً في اكتساب المتحولين دينياً كما كان الحال في المسيحية، علماً بأن تاريخ الأولى يخضع لمبالغة متحزبة كبيرة نراها في كتابات المؤلفين الأشكناز، دوماً وفق الكاتب.

الفصل السابع «مدنيون»: إن سجل المدنيين السوريين في الإمبراطورية خارج وطنهم أقل بكثير مما هو عليه مقارنة مع الجنود والآلهة السوريين، ويبدو أنهم كانوا أقل ميلاً إلى إنفاق وقتهم وأموالهم في تخليد أنفسهم وأنشطتهم، لكن لا يزال هناك عدد جدير بالاهتمام من السجلات التي يتعيّن جمعها ودراستها.

الفصل الثامن والأخير «التركيز السكاني» يسبق ملخص المؤلف: قسمت المسوحات التفصيلية السابقة للجيوش والآلهة من سوريا الروابط بينها وبين وبقية الإمبراطورية الرومانية بشكل مفرط.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى