جين ماير: اليمين المتطرف عائماً على المليارات

يرتبط موضوع كتاب «الأموال الخفية – التاريخ السري لأصحاب المليارات خلف صعود اليمين المتطرف» (Dark Money: the hidden history of the billionairs behind the rise of the radical right. doubleday, new york 2016.) إلى حد ما، بمادة المؤلف السابق عن الأوليغارشية في الولايات المتحدة. الكاتبة جين ماير، صحافية متخصصة في بحث المواضيع الإشكالية. عملت مدة عشرين عاماً في صحيفة «نيويوركر»، ونالت جوائز عدة عن أعمالها، علماً بأن هذا مؤلفها الرابع.

السؤال الذي تطرحه الكاتبة، ومعها كثير من القراء والمعلقين: ما مسبب وقوع أميركا في شرك عدم المساواة الاقتصادية متواصلة التوسع؟ وما سبب إخفاق كل محاولات وضع سياسة خاصة لمحاربة التغير المناخي؟ ولماذا نرى أن أصحاب المليارات في الولايات المتحدة يدفعون ضرائب أقل على نحو مستمر؟

شكل فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية رافعة مهمّة لليمين في الولايات المتحدة: بالمناسبة، يلاحظ المرء تزايد نفوذ الأحزاب اليمينية في معظم دول العالم الغربي، مع زيادة في تأثيرها وتمكنها من فرض سياسات توافق عقيدتها.

تبدأ الكاتبة بحثها عن إجابات عن الأسئلة آنفة الذكر وغيرها بالعودة إلى تاريخ العائلة الأكثر ثراءً في تجمع أصحاب المليارات، وهي عائلة كُخ. الأب المؤسس، فْرِد كُخ، اخترع طريقة محسنة لتكرير النفط الخام واستخلاص البنزين منه.

بعدها انتقل فْرِد كُخ إلى الاتحاد السوفيتي إبان عهد ستالين، وأشرف على بناء مصافي نفط عديدة هناك، وقدم النصيحة لبناء الكثير منها في مختلف أنحاء البلاد. فعل ذلك، مع أنه أعلن معاداته المطلقة للشيوعية. بعد ذلك، انتقل الأب المؤسس إلى ألمانيا النازية وقدم خدماته لهتلر حيث أقام محطة تكرير نفط بالقرب من هامبورغ كانت تنتج البنزين عالي الصفاء الخاص بمحركات الطائرات، وهو مساهم بالتالي في خطط الحرب العالمية الثانية.

الأب المؤسس هذا كتب رسالة في عام 1938 إلى صديق له عبر فيها عن رأيه بأن ألمانيا (النازية) وإيطاليا (الفاشية) واليابان (العدوانية) الدول الوحيدة في العالم. ما يعني، في ظننا، أنه يتطلع لليوم الذي تتحول فيه بلاده إلى نظام مماثل.

تنتقل الكاتبة بعدها إلى ترشح أحد أبناء الأب المؤسس، وهو دِيفِد كُخ، لمنصب نائب الرئيس ضمن لائحة الحزب الليبرتالي (libertarian)، وفشله في الحصول على أكثر من 1% من الأصوات، مما دفعه هو وشقيقه تشارلز إلى اتباع طريق مختلف هو التأثير في الناخب الأميركي وبالتالي السيطرة على أجهزة القرار السياسي في البلاد. تم ذلك عبر إقامة تجمع لأصحاب المليارات في البلاد بهدف توحيد جهودهم للسيطرة على أجهزة الدولة ومنها مجلسا النواب والشيوخ. تمكنوا من الوصول إلى هذا الأمر في عهد أوباما عندما أنهوا سيطرة الحزب الديمقراطي على المجلسين.

شركاء الأخوين كُخ ضموا أسماء مجموعة من أصحاب المليارات المعروفين ومنهم على سبيل المثال رتشرد سكيف وريث مصرف «ملن» و«غلف أويل»، وهري وليند برادلي المستحوذين على عقود دسمة للقطاع الحربي، وجون أُلين أحد عمالقة الصناعات الكيميائية والذخائر ومن عائلة كروز الممسكة بإنتاج الجعة، وعائلة دفُس التي أسست شركة «أم وي» الشهيرة.

اجتماعات التجمع اليميني كانت سرية للغاية، ما يصعب من محاولة التعرف على أسماء المشاركين، باستثناء مرة واحدة. المشاركون في مؤتمرات التجمع اليميني، التي كانت تلتئم مرتين سنوياً، كان عليهم الالتزام بالسرية التامة والخضوع لتعليمات أجهزة الأمن المناط بها حماية سرية الاجتماعات. ومن ذلك، على سبيل المثال، مصادرة أجهزة الخليوي الخاصة ومنعهم من التواصل عبر الفضاء الافتراضي مع أي كان بخصوص الاجتماع وكل ما يتعلق به.

تقول الكاتبة إنّ كافة المشاركين، كانوا من أصحاب المليارات المحدود عدهم، إلى المئات من أصحاب الملايين الذين كانوا يتبرعون لمختلف مؤسسات ما يسمى المجتمع المدني، ومن ذلك مؤسسات البحث المسماة (thinktank)، ما يؤدي إلى السيطرة عليها في نهاية المطاف.

ذلك التجمع، الذي عرف في الولايات المتحدة باسم الواحد بالمئة (1%) هو في الحقيقة الـ 01ˏ0، وهو يسيطر على نحو ثلث الثروات في تلك البلاد.

انطلقت الكاتبة من مرحلة التأسيس تلك لتناقش كل خطوة قام بها ذلك التجمع، برئاسة الأخوين كُخ وإداراتهما في سبيل الهيمنة على التفكير السياسي في الولايات المتحدة وبالتالي السيطرة على مفاصل الحكم في البلاد.

المقصود هنا أن الانعطاف نحو اليمين الذي تعيشه واشنطن لم ينتج من فراغ وإنما نتيجة جهد طويل لأصحاب المليارات الذين يسعون لفرض عقيدتهم الليبرتالية، أي التحرر التام من تدخل الحكومة في الاقتصاد، على الدولة. فقد قدموا مئات الملايين من الدولارات لدعم اليمين في مختلف الانتخابات التي جرت، وفق المقولة: «الثروة تولد السلطة، والسلطة تولد الثروة»، ومبدأهم يقول: كل ما أريده هو الحصول على حصتي العادلة، وهي كل شيء! بالمناسبة، مقدار ثروة أصحاب المليارات المشاركين في تجمع الأخوين كُخ يبلغ نحو 222000000000 دولار.

يحوي المؤلف تفاصيل كثيرة مهمة لنا عند دراسة صناعة القرار في واشنطن نظراً لتأثير سياسات الأخيرة في منطقتنا وأثرها في حيواتنا ومستقبلنا.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى