شهرزاد تروي الخسارة في ‘عمتِ صباحا أيتها الحرب’

تعاين الروائية السورية مها حسن في روايتها الجديدة “عمت صباحا أيتها الحرب” خسارات الحروب من فقد وقتل ومآس وحتى اللامبالاة حين تتجمد المشاعر.وعن الرواية الصادرة عن منشورات المتوسط تقول مها حسن “اتكأتُ على أمي في السرد. كانت تغادر المقبرة لتساعدني في الكتابة. بعد ست سنوات من الكتابة في زمن القتل والعنف واللامبالاة وانحدار العالم وتوسع مآسيه. قالت أمي ‘شهرزاد الحرب’ كل ما عجزت عن قوله. بعد كل هذا قررنا، أمي وأنا، التوقف عن السرد قهراً من هذا العالم الذي يتجاهل موتنا وتشردنا وذلنا. لمن نكتب ونحكي إذن”.

ويقول الناشر في كلمته على الغلاف “لا شيء يمكنه أن يعوض عن خسارات الحروب، ولا منديلَ، مهما كان أبيض ونظيفاً ومقدساً، يمكنه أن يكفكف دمعنا على الذين قتلتهم الحرب. وأكثر ما سيؤلم في المستقبل حين نجلس ونستذكر سنوات الحرب، سيبدو أن كل شيء حدث بساعة واحدة من الزمن، على الأكثر، وانتهى”.

ويضيف “الرواية فقط ستنجو من هذه الممارسة اللاأخلاقية التي قد ترتكبها جميع الفنون الأخرى. لأنها الوحيدة القادرة على انتاج الشعور بزمن الحرب الطويل، الحرب بكل لحظاتها المظلمة، ورائحة جلدها الذي يتصبب رصاصاً وخوف. نعم الرواية فقط ستنجو وخاصة حين تأتينا من روائية متمرسة وصاحبة دربة طويلة.

في هذه الرواية تفعل مها حسن بالزمن الثابت والمتعارف عليه للحرب، ما فعله مودلياني بوجوه ورقاب شخصيات لوحاته. حين جعلها تستطيل فأصبحت أكثر تحريضاً لنا على التأمل واستيلاد الأفكار. هذه الحرب التي بدأها قاتل واحد أصبحت حرب الجميع الآن، حرب من لا حرب له. الكلُّ ضد الكلِّ.

هنا ترجع مها من بيتها الفرنسي إلى بيتها الحلبي الذي دمرته الحرب. تدعو الحرب إليه وتُقعدها في حضنها، وتبدأ تروي لها حكايات، مثلما فعلت شهرزاد مع شهريار. تحدثها عن أمها وخالاتها وأخيها، عن حارتها وبيتها، عما حدث مع شعبها، كيف أصبح فتى الحي الوسيم الخلوق أمير حرب، وكيف أصبح الدم ماء”.

ومن أجواء الرواية:
ما تزال كوابيس الخراب تطالُنا نحن الراقدات هنا، كلّما سمعْنا أصواتَ القصف، سَكَتْنا، وتوقّفْنا عن التّحرّك، وحتّى عن الهَمْس، لدينا خوفٌ يشبهُ خوفَ الأحياء، هم يخافون من الموت، ونحن نخاف من فقدان هناءة الموت، أعني نخافُ من فقدان هذه الحُفر الطويلة التي وضعونا فيها، أنا ملفوفةٌ بكَفَن أبيض نظيف، لم يتّسخ داخل التراب، لأنّ الحديقة أساساً ليست مُهيّأة لرقاد الموتى. إنّها مكان للاستجمام والتسلية. أنا مرتاحة هنا، حين لا يكون هناك قصفٌ، وحين نسمع القصفَ، نخافُ على أماكننا، نخافُ أنْ تنبشَ القذائفُ التربةَ، وتقلبَ قبورَنا صوبَ السطح، فتتعرّى أجسادَنا وأكفانَنا.

تسألينني: ما هذا الصوتُ؟ إنّها أصواتُ البنات، لديّ صداقات كثيرة، أسّستُها هنا. إنّهنّ يضحكنَ، لقد تابعتُ ما كنتُ أفعلُهُ هناك في الحارة، ما تُسمّينه أنت تِقْنِيَّة شهرزاد، أنا شهرزاد الحارة، والآن، شهرزاد البستان.
ومها حسن روائية سورية مقيمة في فرنسا، صدر لها “اللامتناهي – سيرة الآخر” 1995، “لوحة الغلاف” 2000، وطبعة ثانية في القاهرة سنة 2016 بعنوان “ذيول الخيبة”، ثم “تراتيل العدم”، “حبل سري”، “نفق الوجود”، “بنات البراري”.

وصلت روايتاها “حبل سري” و”الروايات”، إلى اللائحة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية بوكر.
وكانت قد صرحت عن الرواية لموقع “مبتدا”: “استغرقت الرواية أربع سنوات لكتابتها، ولم أستقرعلى الشكل النهائي لها إلا بعد خمس محاولات للكتابة، وتحديدًا بعد وفاة أمي في الحرب السورية”.

وأشارت أن رواية “عمت صباحا أيتها الحرب” استنزفتها كثيرًا وأخذت من طاقتها ومن روحها، حيث استمرت فترة طويلة تكتبها، وقد وجدت مها أن الأمر عسيرًا، ففكرت فيما يشبه الاعتزال، غير أنه ليس اعتزالًا بقدر ما هو وقفة للتأمل وإعادة قراءة التجربة.
وأضافت: “أشعر أن هذه الرواية هي مولودي الأخير، وهناك قلق وتوتر من ردود فعل القراء بخصوصها، ولذلك سأتوقف عن الكتابة وأتابع العالم قليلًا”.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى