كيف بدأ العمل بجواز السفر؟

 

كتب ماثيو كار، مؤلف كتاب”أوروبا القلعة”، مقالة في موقع “هيستوري توداي” بعنوان “خارج الحدود” نقلها إلى العربية إبراهيم عبدالله العلو. وهذه ترجمة نص المقالة:

نلحظ في بداية القرن الحادي والعشرين ديناميكاً متناقضاً في السياسة العالمية. فمن ناحية نعيش في عالم متداخل بشكل متزايد “وعديم الحدود” حيث تتفكك الحواجز الوطنية على تنقل السلع ورأس المال. ومن ناحية أخرى اتخذت الحكومات عبر العالم إجراءات متطرفة لتعزيز حدودها عبر العوائق الطبيعية والتقنيات الحديثة والكوادر المختصة من أجل الحد من تنقل الأفراد غير المرغوب بهم.

توجه تلك الجهود بشكل كبير نحو منع الهجرة “غير الشرعية”. يتحدث الساسة اليوم من بعض أغنى الدول على الأرض عن الدفاع عن حدودهم وحمايتها من “الغزو” المفترض للعمال المهاجرين واللاجئين المصَورين كتهديد لنمط حياتهم ووظائفهم أو هويتهم الثقافية. تحول تعزيز الحدود مرة ثانية من اهتمام هامشي خلال الحرب الباردة إلى مؤشر رمزي للهوية الوطنية وأداة أساسية في تعزيز التمييز بين السفر “الشرعي” والسفر “غير الشرعي”.

اعتبرت الدول والحكام على الدوام المقدرة على تحديد من يدخل أو يبقى في مناطقهم اختباراً لسيادتهم.

أصبحت الحدود حتى عهد قريب نسبياً المكان الذي يمنح فيه حق الدخول أو الرفض تبعاً للوثائق المقدمة. كانت الحدود في أوروبا القرون الوسطى بين الدول المتنافسة ومراكز القوة رمزية إلى حد كبير وربما تتألف من أراضٍ حدودية شكلية و”تخوم” و”أراضٍ متنازع عليها” ذات وضعية غير محددة أو مستقرة.

تألفت الحدود الحقيقية عملياً من الأسوار المدعمة التي تحيط بالبلدات والمدن بحيث تتمكن السلطات من استثناء الأشخاص غير المرغوب بهم أو غير المؤهلين لدخولها عند البوابات مثل المشردين والمتسولين والفقراء التائهين إلى النسوة المشردات والغجر واليهود والمصابين بالجذام.

سعت الدول مع تجمع الدول المدنية والبلدات والدوقيات والإمارات في كينونات أكبر والتلاشي التدريجي للتعرفة المحلية وقيود الجمارك بشكل أقوى لتطبيق سلطات الاستثناء.

نشر الجغرافي الهولندي ماثيوس كوادت عام 1604 أطلساً يحدد الحدود بين الدول الأوروبية للمرة الأولى.

وحدثت مراقبة المهاجرين في بداية أوروبا الحديثة على مستوى المنطقة أو الأبرشية بدلاً من الحدود نفسها.

وطلبت اللجنة البريطانية الخاصة بالملكة اليزابيث الأولى من السلطات المحلية في لندن البحث والتحري عن الرقم الكلي للأغراب والأجانب في المدينة من أجل تحديد المنشقين الدينيين المحتملين والمتسببين بالمتاعب.

تذمر الوزير الأميري الإسباني فيرنانديز دو نافاريت في بداية القرن السابع عشر من أن “كل حثالة أوروبا قد أتت إلى إسبانيا ولذلك لم يتبقَ أطرش أو غبي أو أعمى أو أعرج في فرنسا وألمانيا وإيطاليا أو الفلاندرز إلا وحضر إلى قشتالة”.

كانت مثل تلك الشكاوى دليلاً على نفوذية حدود الدولة. وحصلت مراقبة المسافرين حتى أواخر القرن الثامن عشر على مستوى الأبرشية أو المنطقة.

بدأ اليعاقبة خلال الحروب الثورية الفرنسية بإصدار بطاقات دخول للمسافرين الأجانب لدى الوصول إلى الحدود الفرنسية.

واعتمدت جوازات السفر الحقيقية على الانتماء الإيديولوجي للمستخدم بدلاً من الجنسية وبالتالي وقعت في سوء الاستخدام بعد حروب نابليون.

كان ضبط الحدود طوال معظم القرن التاسع عشر متقطعاً وشبه معدوم حيث هاجر الملايين من الأفراد من أوروبا إلى العالم الجديد أو حتى ضمن أوروبا نفسها من دون أية جوازات سفر أو وثائق.

واستحضر الكاتب النمساوي ستيفان زويغ في عام 1942 ذهول الشباب عندما أخبرهم عن سفره حول العالم من دون جواز سفر قبل الحرب العالمية الأولى.

بدأت الحالة بالتغير إثر الانهيار الاقتصادي العالمي عام 1873 عندما بدأت الحكومات بإدخال ضوابط الهجرة وفقاً للجنسية أو العرقية للمرة الأولى. وأقرت الحكومة الأميركية في عام 1822 أول مرسوم لاستثناء الصينيين استجابة للوبي “الخطر الأصفر” الذي قاده ساسة كاليفورنيا.

أمر بيسمارك في عام 1885 بطرد 40000 عامل بولندي من ألمانيا لمنع “بولنة” بروسيا. وفي عام 1897 استخدمت المستعمرة الجنوب أفريقية ناتال امتحاناً لغوياً للمهاجرين والذي حرم دخول أي شخص لا يستطيع تعبئة الطلب باللغة الإنجليزية وهو امتحان مخصص لاستثناء العمال القادمين من الهند.

أدخلت معادلة ناتال في أستراليا من أجل استثناء العمال المهاجرين القادمين من الصين.

أقر البرلمان البريطاني في عام 1905 قانون الأجانب استجابة لحملة ضد “الأجانب المعوزين”، وهو تصنيف كان يعني غالباً اليهود القادمين من روسيا القيصرية. تشددت هذه المعايير في عقائد تحسين النسل التي سادت في تلك الفترة والتي اعتبرت هجرة مجموعات عرقية “متخلفة” أو “منحطة” تهديداً لموروث النسل القومي.

اعتمد المهاجرون بشكل متزايد على إثبات الهوية عند الموانئ ونقاط الدخول الأخرى.

بدأ تطور العالم ذي الحدود المرتكز على “الحدود الورقية” يحظى بالموافقة خلال الحرب العالمية الأولى عندما أحكم أبطالها الوثاق على حدودهم لأسباب أمنية. استمرت تلك الإجراءات بعد الحرب وتعززت أكثر خلال الأزمة الاقتصادية والسياسية خلال الثلاثينات من القرن المنصرم.

أصبح العالم عديم جوازات السفر، الذي استحضره زويغ، بحلول عام 1939 من بقايا الذاكرة، وأصبحت الحدود القومية أدوات أساسية في منع المهاجرين غير المرغوب بهم.

تحول العالم اليوم إلى دول قومية وتم اعتبار “المهاجرين الاقتصاديين” واللاجئين الذين يحاولون اجتياز الحدود بدون الوثائق المطلوبة مجرمين ومغامرين بالتحول إلى أفراد بلا وطن في زمن اعتمدت فيه الحقوق المدنية والقانونية على امتلاك جواز سفر وطني.

أصبحت الحالة ذات مآلات رهيبة على الأفراد الذين تم استبعادهم. أصبح الكثير من اليهود “غير قانونيين” بعد أن أصدرت عدة دول حول العالم تحديداً لعدد المهاجرين اليهود حيث قام النازيون بجهود مضنية للتأكد من جوازات سفرهم. وأضطر البعض إلى الخداع لعبور الحدود. ووجد آخرون أنفسهم محاصرين وعاجزين عن الوصول إلى بر الأمان.

تبنّت الحكومات، استجابة لحالات الفشل تلك وحملات التهجير الشامل لأعداد كبيرة من السكان التي تبعت الحرب وإغلاق الحكومات الشيوعية للحدود ومنعها مواطنيها من المغادرة، إلى تبني ميثاق جنيف المتعلق بوضعية اللاجئين بعد الحرب العالمية الثانية والذي ألزم الموقعين عليه على حماية اللاجئين.

أقرت المادة 13 في عام 1948 من إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن “لكل شخص الحق في مغادرة أي دولة بما فيها موطنه والعودة إلى وطنه”.

تحاول اليوم العديد من الديموقراطيات الأوروبية الغربية التي كسبت “الحرب الباردة” امتلاك قوة الرفض التي سادت في عهد الدول المدنية في القرون الوسطى من أجل منع “فقراء العالم التائهين” من عبور حدودها وتحديد من يمتلك الحق بالمرور عبر “بواباتها” ومن له الحق في البقاء في داخلها.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى