كيف سيتعامل جو بايدن مع أبرز حلفاء أمريكا العرب بعدما أصبح رئيسًا؟

 

شكلت انتخابات الرئاسية الأمريكية التي عقدت في 3 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حدثًا هامًا بالنسبة للدول العربية الحليفة لواشنطن؛ إذ ترتكز سياساتها الخارجية والداخلية بشكل كبير على التنسيق مع الولايات المتحدة؛ مما يجعل من سياسة الساكن الجديد للبيت الأبيض والذي أُعلن عنه قبل قليل، محل ترقب ودراسة من جانبها.

مرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن والذي صار الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية، لن يسير على خطا الرئيس الحالي دونالد ترامب، وهو ما يزيد التساؤلات المصحوبة بالقلق لدى الحلفاء العرب لأمريكا، خصوصًا في ظل خلفيته السياسية، مرشحًا عن الحزب الديمقراطي ونائبًا للرئيس السابق باراك أوباما، ما يعني أنه يحمل رؤى مناقضة لتوجهات ترامب في كثير من القضايا نحو الدول العربية.

يحاول التقرير التالي التعرف على سياسة بايدن تجاه المنطقة العربية، وتحديدًا مع حلفاء أمريكا في المنطقة، عبر التعرف على خلفية الرجل السياسية، وتصوراته لشكل العلاقة مع الشركاء العرب، والتي سبق أن شارك في صياغتها خلال فترة شغله منصب نائب الرئيس السابق.

يُعد بناء علاقة جيدة ومنسجمة بين دول الخليج وواشنطن أولوية لكلا الجانبين على مدار العقود الماضية؛ فدول الخليج بالنسبة لواشنطن هم حلفاؤها الأكبر في المنطقة العربية، وأكبر عملاء لشراء الأسلحة والخدمات العسكرية الأمريكية.

الحال ذاته ينطبق على حكام هذه الدول التي ترى في واشنطن، التي تتمركز قواعدها العسكرية في عواصمها، خط الدفاع الأول ضد أي تهديد عسكري محتمل يهدد أمنها القومي.

تحظى طبيعة العلاقات المُحتملة بين واشنطن في عهد بايدن ودول الخليج بأهمية كُبرى وترقب أكبر لما سيفعله الرئيس المُنتخب، في ظل الخلافات الواسعة داخل مجلس التعاون الخليجي، وكثير من القضايا الداخلية لهذه الدول التي غضت عنها الإدارة الأمريكية الحالية البصر.

السعودية.. استمرار العلاقة مع إصلاح «المنبوذين»

بعد صعود بايدن لمنصب الرئيس في البيت الأبيض، يبدو أنه من المؤكد تغير نمط العلاقة المُحتمل بين واشنطن والرياض، خاصة في ظل معارضة الرجل ومساعديه لسياسة ترامب الخارجية مع الرياض خلال ولايته.

لا يعني هذا أن التوتر سيخيم على العلاقة بشكل دائم، أو أن بايدن سيدفع لتصعيد عنيف كقطع العلاقات؛ فالرجل مؤمن بضرورة استمرار العلاقات بالتزامن مع ممارسة واشنطن ضغوط فعلية على الرياض لإنهاء «الحرب المأساوية» في اليمن، على حد تعبيره، وإعادة تقييم العلاقة بشكل عام حتى لا ينتهي الحال بحلفاء واشنطن، في إشارة لقادة السعودية، أشخاصًا «منبوذين»، كما وصفهم في مناظرة مع مرشحي الحزب الديمقراطي السابقين.

أحد القضايا الداخلية التي تؤرق بايدن في تعامله مع الرياض هي القضايا الحقوقية، وأبرزها مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، والتي تستدعي، وفقًا له، ممارسة ضغوط على قادة السعودية لاحقًا من أجل علاقات «صائبة».

«لم يعاقب الرئيس ترامب كبار القادة السعوديين بعد تأكد «السي آي إيه» من صدور أمر من ولي العهد السعودي بمقتله. هل بإمكانك فعل ذلك؟» سؤال تم توجيهه لبايدن خلال مناظرة مع مرشحي الحزب الديمقراطي السابقين، والذي أجاب عليه قائلًا: «نعم؛ سأفعل ذلك.. وسأقوم أيضًا بوقف بيع الأسلحة للسعوديين حال استخدامها في مقتل الأبرياء والأطفال، فضلًا عن محاسبتهم».

ويُعزز من هذه السياسة تجاه الرياض ما ذكره أندرو بيتس، المتحدث باسم حملة بايدن، أن الأخير يرغب في إلغاء الشيك الفارغ الذي منحته إدارة ترامب للسعودية لإدارتها تلك الحرب، والعمل مع الكونجرس على إلغاء «الفيتو» الذي أصدره الرئيس الأمريكي الحالي.

قال الرئيس المنتخب: «سوف أنهي دعم الولايات المتحدة للحرب الكارثية بقيادة السعودية في اليمن وأطلب إعادة تقييم علاقتنا مع السعودية. لقد حان الوقت لاستعادة الشعور بالتوازن والمنظور والإخلاص لقيمنا في علاقاتنا في الشرق الأوسط. لن يكون هناك شيك على بياض كما فعل ترامب معهم. وينبغي تحديد أولويات أمريكا في الشرق الأوسط في واشنطن، وليس الرياض».

وقد تحدث بايدن عن تصوره للعلاقة مع الرياض على موقعه الرسمي، دون ذكر بقية العواصم الخليجية، بما يعطي مؤشرًا أن سمة العلاقة مع بقية الدول لن يلحق به تغييرا كبيرًا.

دول الخليج الأخرى.. «تقاسم أعباء» السياسة المحتملة

على خلاف السعودية، لم يذكر بايدن أي عاصمة خليجية للحديث عن رؤيته لشكل علاقة بلاده معها، وهو ما يعزز من احتمالية استمرار العلاقات بنفس الصيغ القديمة خلال ولاية أوباما، حين كان بايدن نائبًا له.

يعزز من هذا الطرح خلفيات مساعدي ومستشاري بايدن المحتملين داخل البيت الأبيض، فجميعهم خدموا في إدارة أوباما، وصاغوا سياسة واشنطن تجاه دول الخليج، والتي تكشف تصوراتهم ملامح سياسة بايدن تجاه الشركاء الخليجيين.

من بين أبرز هولاء هو توني بلينكن، أحد مستشاري بايدن الحاليين، والذي شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي في عهد أوباما، الذي يعارض فكرة دفع الدول الخليجية لتأسيس حلف «ناتو عربي» كما دعا ترامب، تخوفًا من توظيف الحلف لأغراض سياسية وحسابات ضيقة بعيدًا عن الهدف الرئيس منه.

أيضًا يدعم مستشارو بايدن فكرة الحوار بين دول مجلس التعاون الخليجي مع إيران، وليست المواجهة العسكرية، لإنهاء التوترات ولتأدية دورها في حماية أمن شركائها، وهو ما قد يعزز مستقبليًا من دور سلطنة عمان، الأقرب من دول المجلس لطهران سياسيًا ودبلوماسيًا، لتكون وسيطًا محتملًا كما كان الحال أيام إدارة أوباما، حين أصبحت راعيًا لمفاوضات الاتفاق النووي الإيراني.

لعل التصورات السابقة لمستشاري بايدن لعلاقة واشنطن مع دول الخليج هي التي تجعل بايدن يؤكد دومًا أن مبيعات الأسلحة لن تكون الأولوية لسياسته مع دول الخليج كافة؛ إذ يرى فريقه أن دول الخليج تشترك مع واشنطن في قضايا أكثر إلحاحًا للأمن القومي الأمريكي كانت غائبة عن رؤية الإدارة الحالية.

يلخص محللون سياسة بايدن ومستشاريه تجاه حلفاء واشنطن بوصفها سياسة «تقاسم الأعباء»، التي سيُلزم بها حلفاءه في الشرق الأوسط، ولن تستمر سياسة التعويل المُطلق على واشنطن لحل قضاياهم، خصوصًا مع نفور الجمهور الأمريكي من الانخراط الدولي، وبالأخص العسكري، في قضايا الشرق الأوسط.

ذكر تحليل منشور في مركز بحثي بواشنطن، تموله أبوظبي، أن وصول بايدن للحكم سيعكس سياسة خارجية مختلفة للولايات المتحدة ستكون المفتاح لإقامة علاقة «يتم تصويبها» مع المملكة العربية السعودية والشركاء الخليجيين الآخرين، ويؤكد في الوقت ذاته أن «تهديدات الإرهاب الدولي والهيمنة الإيرانية وغيرها من المخاوف المشتركة توفر أساسًا صلبًا لإعادة إحياء الشراكة، إذا تمت إعادة تقييمها من جديد، في عهد بايدن». وهو ما يعد مؤشرًا مهمًّا على تغير قد يطرأ في علاقة واشنطن مع الشركاء الخليجيين.

مصر.. مبارك النموذج الذي يُفضله بايدن في الحُكم

تُعد مصر إحدى الدول التي ربما تقابل تغيرًا ملموسًا في علاقتها مع واشنطن بعد فوز بايدن، وظهرت مؤشرات هذا التغير سريعًا بعدما نشر بايدن تغريدة على موقع «تويتر»، انتقد خلالها ما وصفه بـ«اعتقال وتعذيب عدد من النشطاء» في مصر، بعد إطلاح سراح المواطن الأمريكي محمد عماشة، بعد احتجازه نحو 486 يومًا بسبب رفعه لافتة احتجاجية.

أكد بايدن أن «اعتقال وتعذيب النشطاء مثل سارة حجازي ومحمد سلطان، أو تهديد عائلاتهم، أمر غير مقبول»، وأنه «لا مزيد من الشيكات الفارغة لـ(ديكتاتور ترامب المفضل)» في إشارة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

قبل هذا الموقف، كتب بايدن تغريدة مماثلة في منتصف يناير (كانون الثاني) الماضي، أكدت على موقفه الناقد لسياسات السلطات المصرية في الشأن الداخلي، إذ أبدى فيها تعازيه لأسرة المواطن الأمريكي مصطفى قاسم، الذي توفي في السجن، ووصف ما حدث «بالإهانة» التي تستدعي من الإدارة الأمريكية التحرك والضغط لإطلاق سراح المحتجزين الأمريكيين «ظلمًا» في أي مكان من العالم.

يُعزز من التوتر بين بايدن والسيسي ما حدث خلال شغله منصب نائب أوباما، حين غاب عن الاجتماع الوحيد الذى جمع الأخير مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في نيويورك عام 2015، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك وجود مستشاري أوباما ضمن فريق بايدن مستشارين له، الذين سبق أن تبنوا مواقف رافضة للإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، ومرروا قانونًا بوقف المساعدات العسكرية الأمريكية.

يشرح محمد المنشاوي، الصحافي المصري المُقيم في واشنطن، على صفحته بموقع «فيسبوك»، دوافع هذه السياسة نحو الشأن الداخلي المصري، ويفسرها بأن الفريق المساعد والمرشح لإدارة ملفات السياسة الخارجية وقضايا الشرق الأوسط في الدائرة المحيطة بجو بايدن يتكون من «دائرة أوبامية (إشارة للرئيس أوباما) بامتياز».

وأضاف المنشاوي أن «هذه الوجوه تعرفها نخبة السياسة الخارجية المصرية جيدًا من خلال الاحتكاك بها على مدى السنوات والعقود الأخيرة»، موضحًا أن كبر عمر المرشح بايدن يرجح عدم إدارته للشأن الخارجي ومنح المزيد من الصلاحيات لمساعديه.

ويمكن تلخيص سياسة بايدن نحو مصر بموقفه من ثورة 25 يناير التي أطاحت الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، فالأول الذي كان يشغل آنذاك نائبًا للرئيس الأمريكي باراك أوباما، يرى في مبارك الحليف الأنسب لواشنطن، وليس ديكتاتورًا، وفقًا لمعاييره، بما يجعل من أي شخص تتشابه خلفيته مع مبارك مؤهلًا للقبول به من جانب إدارته.

خالف السيسي استراتيجية مبارك في إدارته للشأن الداخلي، إذ كان الأخير حريصًا في حُكمه على ترك هامش من الحرية السياسية للصحافيين والساسة والمنظمات الحقوقية، مع التزامه بتحالف مع واشنطن، وهي الاستراتيجية التي جعلت بايدن يعتبر أن مبارك «ليس ديكتاتورًا».

ما خطة بايدن للتعامل مع إيران؟

تصورات بايدن لعلاقته مع طهران إحدى القضايا الرئيسة التي يترقبها حلفاؤه العرب، وتحديدًا الشركاء الخليجيون، في ظل تباين التقييمات لطريقة الإدارة الحالية في اتباعها سياسة الضغط الأقصى عبر فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية، والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، والتهديد دومًا بمواجهة عسكرية مفتوحة.

ترسم مؤشرات عدة تغييرات محتملة في تعامل إدارة بايدن تجاه إيران، وتتمثل أبرزها في تبني بايدن استراتيجية للعودة للاتفاق النووي الإيراني، ليكون بوابة للحد من نفوذها المناوئ لواشنطن أو لحلفائها في منطقة الخليج.

يرى بايدن ومساعدوه أن إيران طرف مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط. يجب ألا يسمح لها بتطوير سلاح نووي، وأن العودة للاتفاق هي التي ستتيح لواشنطن تقييد أنشطة طهران العسكرية والجماعات المدعومة منها ماليًا، سواء في سوريا، واليمن، ولبنان، وأن الحل الأمثل لوقف أي أنشطة «خبيثة» لها هو التفاوض المتبوع بضغط دبلوماسي واقتصادي.

وعلى أساس هذه الخطة يرى بايدن أن خطة ترامب للضغط على طهران بالانسحاب من الاتفاق النووي وقطع كافة العلاقات أتاحت لها الاقتراب من الصين وروسيا، وعزلت الولايات المتحدة، وليست إيران، كما أعادت طهران تشغيل برنامجها النووي، وأصبحت أكثر عدوانية؛ مما جعل المنطقة أقرب إلى حرب كارثية أخرى.

ويؤكد على تنفيذ هذا التوجه وجود جيك سوليفان، أحد مهندسي الاتفاق النووي الرئيسيين خلال ولاية الرئيس السابق باراك أوباما، ضمن مساعدي بايدن، ويشغل منصب كبير مستشاريه للسياسة الخارجية.

ويشرح سوليفان ملامح سياسة بايدن نحو إيران قائلًا: «حققت العقوبات آثارًا اقتصادية مؤلمة على طهران، لكنها لم تجعل طهران تكف عن سياستها، ولم تكن الحل السحري لتقويض أنشطة طهران؛ حتى أنه بعد تخفيف العقوبات بالكامل، ستنمو إيران اقتصاديًا وسياسيًا.. على الإدارة الديمقراطية أن تعيد مباشرة الدبلوماسية النووية مع إيران، وأن تتطلع إلى إنشاء شيء ما على غرار خطة العمل الشاملة المشتركة».

ساسة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى