إضاءاتكتاب الموقع

كيكي… وزووووم

كيكي… وزووووم…  فجأة وفي زمن قياسي قد يستغرق دقائق أو مجرد أيام معدودات أصبح العالم جاهزاً بين الحين والآخر ليدخل في حالة هيستيرية تتجلى في الانسياق الجماعي والجمعي وراء ظاهرة ما يأتي بها فرد أو مجموعة أفراد في بقعة ما من الأرض.

كيكي… ومن ثم زوووم، ومن ثم…..ربك أعلم، ظاهرتان من سلسلة ظواهر تطفو على سطح المجتمعات لتجذب البشر كمغناطيس وتسوقهم وراءها كقطيع مسلوب بسحرها. لم أعر اهتماماً في البداية لظاهرة كيكي حيث سمعت عنها وكانت أخبارها تمر أمام ناظري في المواقع الإخبارية وماشابهها، إلا أنني لم أشعر بأي رغبة لتتدقيق بها ومتابعة فيديوهاتها التي اكتسحت وسائل التواصل الاجتماعي واليوتيوب وغيرها بسرعة البرق. إلا أن ظهور ظاهرة أخرى تحمل اسم زوووم وانتشارها بشكل أصبح يفوق انتشار كيكي دفعني من باب الفضول أولاً لأتقصى أمر هاتين الظاهرتين، فماذا وجدت ياترى؟

أما كيكي فياسادة ياكرام، لمن يجهل الأمر كجهلي، هي رقصة يؤديها الفرد بعد ترجله من سيارة أثناء سيرها، وعلى أنغام أغنية النجم دريك (In my Feelings)، وأول من قام بهذه الصرعة هو النجم العالمي شيغي، والملفت أن الفيديو الذي نشره على حسابه في انستغرام لاقى انتشاراً كبيراً تخطى الستة ملايين مشاهدة!!!

الأمر الخطير في هذا التحدي والذي بدأ يستثير السلطات في معظم البلدان أن هناك خطراً حقيقياً يترتب على ممارسته والذي قد يؤدي إلى إصابات خطيرة وإلى الموت في كثير من الحالات.

أما زووووم يا أصدقائي فهو تحدٍ من نوع آخر أساسه التمثيل بأن المرء يقود سيارة ويرقص على نغم أغنية وهناك من يدفعه إلى الأمام ويسحبه إلى الخلف، دون أن يظهر من يقوم بذلك ضمن الكادر، ليعطي إيحاء بأن السيارة تتحرك. الأمر الخطر في هذا التحدي أن عملية الدفع والسحب كثيراً ما تؤدي إلى السقوط والإصابات الخطرة وخاصة لدى الأطفال الذين يقومون بهذا التحدي وهو ما حذر الأطباء منه في مختلف البلدان.

حسن.. إذاً فقد عرفنا ماهي كيكي وماهو زووووم ومخاطرهما. وماذا بعد؟؟ يلح عليّ سؤال أتمنى أن أجد له جواباً منطقياً. ما الغرض من إطلاق مثل هذه الظواهر وما الفائدة التي يمكن للناس أن تجنيها منها؟ هذا ليس سؤالاً مجانياً أو اعتباطياً أو لا معنى له. كل شيء في الحياة يتعلق بالعامة وبالمجتمع ويؤثر فيهما يجب أن يخضع لهذا السؤال لأنه من المفترض أن يكون ذا نفع بشكل أو بآخر.

لا شك أننا مررنا بالعديد من الظواهر التي سيطرت على العقول وعلى المشاعر وانساق الناس وراءها كانتشار أنواع الرقص مثلاً كرقصة التانغو والفالس والتويست إلا أن مثل ذلك ارتبط بفن الموسيقى وبعلاقة الجسد بالموسيقا وهو ما يوفر تناغماً بين البشر والفنون ويحرر الطاقات بشكل مبدع. هناك الكثير من هذه الأمثلة والتي ستجد فيها مغزى ولمسة جمالية تغزي الروح والعقل معاً.

يبدو لي أن البشرية تمر بعصر من الانحطاط والتداعي الأخلاقي والروحي وهو أمر أعتقد أنه بدأ مع غياب الفلسفة وانتهاء دورها تقريباً كمنتج فكري وبالتالي تغير أنماط الأدب بكل أشكاله وتراجعه كحالة إبداعية مثمرة تنتج ما يؤثر في المجتمعات وتؤسس لها خطواتها وإبداعاتها الحضارية. لقد تراجعت الموسيقا وإبداعاتها الفذة لتتحول إلى مجرد إيقاع يحرك ويحاكي الغرائز وأحياناً بأبشع صورها مع بعض الاستثناءات هنا وهناك.

ما أصبح طاغياً ويتحكم بكل شيء تقريباً، هي التكنولوجيا وانجازاتها المتسارعة، لكنها ومع كل الأسف تزيد من بشاعة الحياة لا من جمالها. وهذا ما يعيدنا إلى ما نحن بصدده ألا وهي مسألة الظواهر والتي هي نتاج تلك التكنولوجيا بمظاهرها المتعددة ومنها وسائل التواصل الاجتماعي والانترنيت والهواتف الذكية….

إننا ومع شديد الحزن والأسى نعيش عصر انحطاط أراه يقود البشرية إلى إلغاء وجودها طوعاً لصالح عوالم جديدة تتحكم بها الآلة والتكنولوجيا وإنجازاتهما.

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى