لا تنس أنك مواطن (بلال فضل)

بلال فضل

أرجوك، لا تدعهم يخدعونك بنفس الخديعة التي إنطلت على الملايين لسنوات طويلة من عهد مبارك والذين سبقوه، لا تصدقهم عندما يقولون لك أن تعبيرك عن غضبك ومعارضتك ورفضك لإهدار حقوقك سيخرب الوطن، فالذي يخرب الوطن ليس سوى عناد الحاكم وغبائه وفشله وعجزه عن إزالة أسباب الغضب بدلا من الإنشغال بالتخلص من الغاضبين.
أرجوك، تذكر أن كثيرا من المقولات التي يرددها أنصار تيارات الشعارات الإسلامية الآن ظل نظام حسني مبارك يرددها طيلة ثلاثين عاما ومن قبله كان يرددها نظام السادات ونظام عبد الناصر ونظام فاروق وكل الأنظمة التي حكمت هذا البلد فصار حالها كما لا يسرك، وصار حال الشعوب التي بدأت مسيرة التقدم بعدنا كما لا يخفى عليك، لأنها لم تجد من يخدعها بعبارات مثل «هيعمل إيه اللي بيحكمنا والعيب فينا.. الظروف مش مساعداه.. إدوا له فرصة.. اعتبره زي أبوك.. سيبوه يشتغل..ما يصحش تتكلم عن رئيسك كده.. إنت مش عارف المؤامرات اللي عليه.. حط نفسك مكانه..الراجل شغال بإيديه وسنانه وربنا يعينه علينا.. إحنا برضه وحشين ياباشمهندس».
ياعزيزي: تتقدم الدول عندما لا يتذكر المواطن طيلة الوقت إلا دوره، ودوره هنا ليس فقط أن يقوم بلم الفلوس للغلابة وعمل الخير للمحتاجين وعدم رمي الزبالة على الأرض، الدور الحقيقي للمواطن في أي دولة متقدمة أن يحرص على أن يحكمه حكام مهرة يتبعون سياسات كفئة ومحترفة تجعل عمل المواطن للخير فضيلة يتقرب بها إلى الله وليس وسيلة يحرص عليها لإنقاذ البلاد من ثورة الجياع، سياسات تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يرمي ورقة على الأرض إن لم يكن حرجا من أداء حكامه المتميز فخوفا من القانون الذي يتم تطبيقه على الجميع دون إستثناء.
في كتابه الرائع «قصص لا ترويها هوليود مطلقا» الذي ترجمه المترجم المبدع حمد العيسى يوجه المؤرخ والمفكر الأمريكي اليساري هوارد زن قبل وفاته كلمات شديدة القوة للذين طالبوا الأمريكيين بأن يصبروا على الرئيس المنتخب لتوه باراك أوباما وأن يتركوا له الفرصة ويقدروا الضغوط التي تمارس عليه والمؤامرات التي تسعى لإفشاله، وهي كلمات تصلح لأن تكون ردا على كل الكذابين الذين يصورون للناس أن إعتراضهم على كذب محمد مرسي وإخلافه لوعوده وفشله يزيد الأمور سوءا بدلا من إصلاحها، لهؤلاء يقول زن « نحن مواطنون، وأوباما سياسي، وإذا كنت مواطنا يجب عليك أن تعرف الفرق بين السياسيين وبينك: الفرق بين مايجب عليهم القيام به، ومايجب عليك القيام به… كان أوباما ولا يزال سياسيا، ولذلك يجب أن لا ننجرف نحو حالة من الطاعة والقبول المطلق لما يفعله أوباما. مهمتنا هي عدم إعطائه شيكا على بياض. أو أن نكون مجرد مشجعين وهاتفين له، كان من الجيد له أننا صفقنا وهتفنا له بينما كان يخوض إنتخابات الرئاسة، ولكن ليس من المطلوب أن نكون هتافين ومصفقين الآن بعد ما أصبح رئيسا. لا ينبغي أن نرضى بسهولة ونقول حسنا أعطوه فرصة لأن أوباما يستحق الإحترام، أنتم لا تحترمون أحدا، عندما تعطونه شيكا على بياض. أوباما ليس سياسيا فحسب، الأسوأ من ذلك أنه محاط بسياسيين خطرين، ومنهم من اختارهم أوباما بنفسه، ونحن مواطنون، يجب علينا أن لا نضع أنفسنا في موقف السياسيين وننظر إلى العالم من خلال عيونهم، ونقول حسنا لا بد من تسوية… كلا يجب أن نجهر بآرائنا بجرأة، هذا هو الموقف الذي كان فيه دعاة تحرير العبيد قبل الحرب الأهلية، لقد قال الناس: حسنا ينبغي عليكم النظر إلى الأمر من وجهة نظر لينكولن، لم يكن لينكولن يعتقد أن أهم أولوياته هي إلغاء العبودية، لكن الحركة المناهضة للعبودية كانت تعتقد أنه أهم الأولويات، وقال دعاة تحرير العبيد «لن نضع أنفسنا في موقف لينكولن، سوف نعبر عن موقفنا، وسوف نعبر عنه بقوة بحيث يضطر لينكولن للإستماع إلينا»، ونمت الحركة المناهضة للعبودية بشكل أكبر وأكبر لكي يستمع إليها لينكولن فيما بعد، وبهذه الطريقة صدر إعلان تحرير العبيد وتعديلات الدستور الرقم 13 و14 و15. لقد تم إحراز تقدم في هذا البلد، وتم قلب أي نوع من الظلم لأن الناس تصرفوا كمواطنين مسئولين عن مصلحة بلدهم، وليس كسياسيين، لم يقوموا بالمواء فحسب، بل عملوا ونظموا، لقد شاغبوا عندما كان ذلك ضروريا لجذب أنظار الناس الذين في السلطة، وهذا ما يتعين علينا القيام به اليوم».
أخيرا يحكي هوارد زن عن أستاذ شهير للتراث السياسي الأمريكي درس على يديه في جامعة كولومبيا فتعلم أن كل الرؤساء الذين حكموا أمريكا سواءا كانوا ليبراليين ومحافظين وجمهوريين وديمقراطيين لم تكن هناك فروقات قطبية هائلة بينهم فيما يتعلق بالحفاظ على مصالح الرأسمالية، وحتى الذين كانوا يسمون بالليبراليين لم يكونوا ليبراليين حقا كما يعتقد الناس، لذلك أصبح زن بدوره يقول لتلاميذه «عندما يسألنا الناس : حسنا ماذا تتوقعون؟ نجيب أننا نتوقع الكثير. وسيقول الناس ماذا هل أنتم حالمون؟ والجواب هو نعم نحن نحلم، نريد كل شيئ جيدا، نريد عالما يسوده السلام، نعم نريد عالم العدل والمساواة، لا نريد الحرب ولا نريد الرأسمالية، نريد مجتمعا أخلاقيا، ومن الأفضل أن نتمسك بهذا الحلم بقوة، لأننا إذا لم نفعل ذلك، فسوف نغرق أكثر وأكثر نحو القاع، أي هذه الحقيقة التي لدينا ونحن لا نريد ذلك».
أخي المواطن: وأنت تتأمل هذه الكلمات وبعد أن تتأملها وبدون حتى أن تتأملها، لا تنس أبدا أنك مواطن، لا تدعهم يكذبون عليك كما فعل مبارك فيطلبوا منك أن تكون شماعة لفشلهم، شاغب عندما يكون ذلك ضروريا، وتمسك بحلمك بقوة، فهو طريقنا الوحيد لكي ننجو من الغرق في رمال الكذب الإخواني المتحركة.

صحيفة الشروق المصرية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى