نوافذ

لا شيء

لا شيء

بسبب الحرب طبعاً…تدمّرت الطبقة الوسطى في سورية.

وهي الطبقة المنتجة للأفكار والرافعة للأحلام والمشاريع، وهي حافظة التوازن في أي مجتمع منقسم إلى أغنياء وفقراء. مجتمع “وفرة ومجتمع “حاجات”.

ما نشاهده من مظاهر الإفراط في الغنى المؤلم إلى جوار ما نشاهده من احتيال الإنسان لتدبير شؤون البقاء على قيد الحياة.

وأكاد لا أفهم كيف يمكن للإنسان أن يكون عديم الانتباه إلى البشر وهم يتعذبون إلى جوارهم؟ ولا أفهم أن يكون مديرو البلاد هم سارقو لقمتها.

لينين بنى الاتحاد السوفييتي من حضيض الفقر إلى مجتمع الكفاية والعدل. وعندما رحل وجدوا في جيبه 6 روبلات. وخليفته ستالين الذي هزم النازية، ولديه دولة فيها عشرين ألف دبابة… رحل بلا بيت، وابنته سفتلانا تعيش في بيت صغير مستأجر.

كاسترو… بنى بلداً من مادتي قصب السكر والسيجار الكوبي. وعندما أمم الملكيات شمل إقطاعية والده بالتأميم. وعندما أهداه صدام حسين سيارتي مرسيدس بعد مؤتمر هافانا لعدم الانحياز لم يلمس أياً منهما. بيعتا بالمزاد العلني، ودخل ثمنهما خزينة الدولة.

ويمكننا أن نعدد الأمثلة في تواريخ البلدان والشعوب.

أحد أهم الأمثلة ذات العبرة قصة الاسكندر الكبير عندما أتاه إنذار الموت أوصى من حوله: يحمل نعشي الأطباء فقط. وينثر على طريقي إلى المقبرة قطع الذهب خاصتي وأحجاري الكريمة التي جمعتها في حياتي. وأخرجوا يدي من الكفن وأبقوهما في الخارج مفتوحتين.

القائد الأعلى للجيش: سننفذ وصاياك يا سيدي، ولكن هل تتكرم وتقول لنا ما المغزى؟

الوصية الأولى: أردت أن يعرف الناس أنه إذا جاء الموت لا ينفع الأطباء.

الوصية الثانية: إن الوقت الذي قضيناه في جمع المال… هباء.

الوصية الثالثة: جئنا إلى الدنيا فارغي الأيدي ونذهب منها فارغي الأيدي.

ثم أمر أن لا يبنى له قبر إلا كالناس الآخرين. طلب أن تظل يداه تظهران إلى الخارج… ليرى الناس أن الإمبراطور العظيم… خرج من الحياة صفر اليدين.

أبو العلاء المعري (الذي تعرضت مدينته للقصف وقطعوا رأس تمثاله) قال:

وفي قبض يد الطفل عند ولاده       دليل على الحرص المركّب بالحيّ

وفي بسطها عند الممات: ألا فانظروا إني خرجت بلا شي.

إن تجويع السوري في بلده الثري، والذي كان يطعم جيش الاسكندر المقدوني، هو احتقار علني، واستفزاز مكشوف لغرائز الدفاع المميت عن النفس.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى