نوافذ

لا مناصب للحب

خاص

واشنطن

 

الشاعر السوري رضا أسعد واحد من الشعراء السوريين الذين تركوا أثراً في الثقافة السورية في السبعينات وهاجر إلى واشنطن.. يحل ضيفا على هذه الزاوية  المفتوحة للأقلام المعروفة والأسماء المتميزة في عالم الأدب والصحافة في سورية والمهجر.

______________________________________

احد تلاميذي في العاصمة الامريكية واشنطن، حباه الله سرعة الخاطر والظرافة العفوية، له من العمر سبع سنوات، ووالده كان تلميذي حين كان في السابعة من عمره و بقي تلميذي حتى تخرج من جامعته. نظر إليّ ولده، تلميذي، ذات يوم و قال: بابا يحبك كثيراً و أنا مثله أحبك كثيراً، كم عمرك؟ قلت له ثلاث وسبعون! استدار وأخذ يعد على اصبعه ثم نظر إليّ بحزن وأسى و قال: آسف أستاذ لا أعتقد انك ستبقى حياً حتى يكبر أولادي و تعلمهم، لكني أعدك بأننا سنذهب معاً أنا وهم و من بعدي أحفادي، سنذهب الى قبرك دائما و نضع عليه الورود!

لن أنكر انني شعرت بقشعريرة غريبة و أنا أدرك ان ما بقي من العمر ليس بالكثير، الا انني أحسست في الوقت نفسه بسكينة غريبة من الطمأنينة و الرضا وتساءلت: هل يمكن ان يورّث الحب؟ أيمكن لهذا الادخارالعفوي الذي رافقني منذ عرفت كيف أمنحه أن يكون اسثماراً يفوق النفائس!! أتراه هو ذاك الكنز الطليق من كل قوانين الميراث!

 

بدأت أدرّس اللغة العربية في بعض المدارس الخاصة في العاصمة الامريكية و غالباً دروساً خصوصية، منذ اكثر من أربعين سنة.عشت و مازلت أعيش فيها مع تلاميذي معلمًا وأبًا وصديقاً و مرشداً و جدّاً. لم أكن لأحظى بهذه المكانة لولا الحب الذي أغمرهم به.

كثير منهم بدأ معي وهو في سن السابعة وبقي حتى التخرج من الثانوية و منهم من بقي معي حتى بعد التحاقه بالجامعة وبعضهم عاد مع أولاده كي أدرّسهم.

كنت ألعب معهم في صغرهم. أستمع لشكواهم في مراهقتهم. أنصت لقصصهم التي ماكانوا يبوحون بها لذويهم. أنصحهم، أرشدهم وهم يستمعون و يسمعون و يتقبلون.

ماكان كل هذا ليحدث لولم يكن حبي لهم غامراَ لهم.

دعوت لغة أوطان أصولهم الى قلوبهم فأحبوها وأحبوا تلك الاوطان . تعرفوا عليها تاريخاً و جغرافية  وعلماً ونشيداً وطنياً و عادات و تقاليد و حضارة و ديناً و تراثاً و أغاني شعبية و أمثالاً و حكماً، حفظوها، تفاخروا بها. ماكان هذا ليحدث لولم يكن حبي لهم غامرهم.

من تلاميذي أبناء ملوك و أمراء و شيوخ و أبناء رجال أعمال و أطباء و حرفيين ومن اصول مختلفة. بعضهم يتكلمها في بيته ويعيش أجواءها و بعضهم لا يعرف منها صوتاً و لا حرفاً . لم يقف الحب على باب أحدهم و يستأذن الدخول. لم يكن خفقان قلوبهم يحمل ألقاباً و لا مناصب.

لا مناصب للحب. هو كالولادة و الموت يتساوى به أحياء السماء والارض، طيوراً، حيوانات، نباتات و بشر.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى