كتاب الموقعكلمة في الزحام

لست بقارئ …

لست بقارئ …ماهي أفضل عشر كتب أثّرت إيجاباً في حياتك ؟

سؤال أطلقته الصحافة الاستقصائية في البلاد المتطوّرة على “القرّاء ” عبر مواقعها الكترونية وسرعان ما وصل إلى “شبكاتنا العنكبوتيّة ” مترجماً ومربكاً فتلقّفه لدينا الجديون الصادقون والإستعراضيون المتفذلكون على حدّ سواء .

استنكفت شخصيّاً وعزفت عن الإجابة، ذلك أنّي لا أعدّ نفسي قارئاً نهماً في السنوات الأخيرة لأسباب تتعلّق أوّلاً بكسلي وتقصيري ولا داعي لتبرير ذلك مهما ضاقت الأوقات والجيوب، ثمّ أنّي صراحة لست من أولئك الذين يبتلعهم كتاب مهما امتلك من الفتنة و الغواية أو حتى كان وسواساً خنّاساً. القراءة بلا شك متعة آسرة، تمارس بشغف لمن رامها وفطم عليها منذ الصغر وهي تهذّب النفس وتجعل الحوار ممكناً والعالم أقلّ عبوساً وتجهّماً ولكن………..أيّ قراءة ؟

نظرة خاطفة إلى أروقة الكتب وحركة البيع في المعارض العربية كفيلة بالإجابة على هذا التساؤل.

لاحظوا أفواج الملتحين من سدنة فقهاء الظلام وهم يحمّلون الأسفار السميكة لمؤلفات “ابن تيميّة ” ومشتقاته الداعية لضرب أعناق من تسوّل لهم أنفسهم استخدام عقولهم في المنطق والقياس. راقبوا شباب الغد وهم يقبلون بشغف هائل على كتب كشف الكنوز واستدراج الغائب وفكّ المربوط. انظروا إلى “نصفنا الذي يربّي نصفنا الآخر ” وهنّ يتهافتن على مصنّفات الطبخ والنفخ بكل أشكاله، وانتبهوا إلى فلذات أكبادنا وهم يتزاحمون على البرامج والليزريات السخيفة والجوفاء …………….ثمّ لا تنسوا بقية باقية من المتحسسين لجيوبهم أمام أجنحة المتثائبين من دور النشر الكاسدة …كما لا تنسوا الجوّالين والصحفيين والمتسكّعين والمتصابين والبصّاصين وبياعي المرطبات والمثلجات واليانصيب والبوشار .

هل هذه سوق للكتب أم للأفيون ؟ لكأنّ المصنفات والعناوين المحترمة في مثل هذه المعارض شكل من أشكال “التبييض” وتغطية “مكشوفة ” على تجارة أخرى أكثر رواجاً و”أنفع ” لأصحابها الحقيقيين الذين لا نراهم بيننا بل نشاهد دخان نيرانهم في الأحياء الفقيرة وشاشات التلفزيون .

ماذا تقرؤون الآن يا معشر أمّة “اقرأ” ؟ …قل لو عزفوا على هذه العادة المشؤومة التي اصطلحوا على تسميتها بالقراءة لكان أنفع وأبقى للبشر والحجر …أغلب الظنّ أنها ليست عادة ولا طبيعة ثانية تمليها وتكتسبها نبالة الفطرة البشرية في حب المعرفة، بل “مهمّة” كلّفوا بها تكليفاً قصد “تعليمنا” كراهية القراءة والقرّاء …ومن ثمّ الحياة .

هكذا تقرأ المجتمعات المتحضّرة كي تزداد تحضّرا ويقرأ المتخلّفون كي يزدادوا تخلّفاً وتحريضاً على معاداة المعارف والعلوم. إذا كانت القراءة ـ بمفهومها النبيل ـ سفراً ممتعاً نحو مواطن الإدهاش فإنّها لدى هؤلاء القتلة ملاحة قرصنة وغوص في وحل الجهل والحقد و”عزم ” على خنق المستقبل.

كان الأجدر بصحافتنا الاستقصائية أن تسأل القارئ عن أسوأ عشر كتب قرأها في بلاده، ساعتها يمكن للواحد أن يجيبها بلا تردّد، بل ويزيد عنها ممّا ملكت الآذان والأعين من مصنّفات أدبيّة وفنيّة تخاطب غريزة تبدو حقيقتها واحدة في المنطلق والمبتغى وهي الجنس الرخيص أو القتل المجّاني .

إذا كانت هذه هي الكتب وهذه هي القراءة لدى هذا الرهط من الناس فإنّ العشر كتب التي أثّرت إيجابياً في حياتي فهي ببساطة، تلك التي لم تطلع من المطابع بعد ولم يرتكبها مؤلفوها بعد …ولم تصل إلى هذه الفصيلة من “القرّاء” بعد .

كلمة في الزحام: يقول مثل شعبي في تونس “حانوتة مصكّرة ولا كرية مشومة ” …أي دكانة مغلقة ولا ايجار تعيس ….وقس على ذلك في بقية المؤسسات الاعلامية والثقافية والتربوية التي تتناسل وتفرّخ الجهل والتخل.

بوابة الشرق الاوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى