…لكي تعود إسرائيل إلى موقعها المنبوذ (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

ـ 1 ـ

…المفارقة المدهشة أن كل شيء لم يعد طبيعياً في العالم العربي إلا إسرائيل. الكيان المنبوذ الباحث عن اعتراف وخطة زرع مضافة على «سايكس بيكو»، تحوّل إلى «المعترف به» سراً أو جهراً… لكن الأهم «واقعاً…». وليست المشكلة في الاعتراف من عدمه أو التعامل مع إسرائيل على أنها «دولة» أو «كيان» …لكن في التعامل وكأن إسرائيل لم تعد عابرة، لتبدو اليوم في حصنها الحصين. كأنها الشيء المستقرّ وسط محيط من العبث واللامنطق… واللا قانون.
المعادلة لم تنقلب فقط، ولا الهزيمة استحكمت، لكننا نواجه ما أخفته سنوات ما بعد «وعد بلفور»، ومتتالياتها من «النكبة» إلى «النكسة»… نواجه فشل الدول في أن تكون «دولاً…» لم يعد باقياً منها إلا قطع بازل لملعب أممي كبير.
…ليست دولاً هذه البلاد… إنها قبائل وطوائف، دينية ومؤسساتية، و«مشاريع دول تحت الإنشاء»، تتصارع لترث احتلال الأرض التي تركها الاستعمار الأجنبي.
…هذه الأنظمة ما زالت ترفض ترك السلطة ولو تحوّلت إلى مومياء، أو حكمت من على مقعدها المتحرك.
هذه شعوب في أسر «سلطتها العاجزة…» تلك السلطة التي تدافع عن كونها «قدراً…» ولا شيء لديها إلا قتل الخصوم… بينما تترك مواجهة إسرائيل للمتطرف الأممي القادم من الكهوف.

ـ 2 ـ

إنه التيه الكبير…
بين الحاكم من على كرسي العجز إلى المتطرّف الأممي الهائم باحثاً عن تمويل لحرب انتظار الخلافة…
بينهما فراغ كبير تنتشر فيه روح الهزائم، برغم الثورات أو محاولات التغيير… برغم استمرار النوستالجيا لأغاني الحماسة… وبرغم أن هناك «فرصة» على هذه البلاد أن تبني فيها دولاً قوية… وهذا أخطر على إسرائيل من كل الحروب.
لكن الفرصة دفعت دفعاً إلى خوض مغامرة عبور «التيه الكبير» بين المتطرف والعاجز… وأصبح خوض الحرب ضد المتطرف، التكفيري هي الحرب وبما تحمله من معنى فإن الدفاع عن «النظام» أصبح دفاعاً عن الدولة أو مشروعها… في استمرار واضح لتصوّر يلغي المجتمع أو يضعه في أسر النظرة البائسة بأنهم رعايا… لا مواطنون…

ـ 3 ـ

الأمل إذن في التحوّل إلى المواطنة…
بدلاً من بحث المواطن عن بطاقة عضوية في طائفة، قبيلة من المحظوظين بالسلطة والثروة، أو الاصطفاف في طوابير الرعايا، وترك كل شيء في يد سلطة لم يعد لديها إلا إصرارها على البقاء أو الفناء على يد المتطرّف التكفيري…
بدلاً من هذا هناك أمل في دفاع المجتمع عن قوته، قدرته على الهروب من التيه الكبير ووصول التغيير إلى «ثقافته» أو «مفاهيمه» لتنمو ببطء أجهزة مناعة ضد قبول العنصرية والفاشية والاستيطان والتوسّع، ضد قبول الاحتلال من أساسه كطبيعة دولة مقامة على أرض مسروقة، أو دول تحتل شعوبها…
الرفض غالباً له جذور واحدة…
فالحرب مع إسرائيل ليس مجرّد مواجهات عسكرية، أو بطولات حناجر. إنها مفهوم كامل للحياة والإنسانية، إذا دافعت عنها ستعود إسرائيل منبوذة إلى «عزلتها».


صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى