لماذا أقدم الجِنرال حفتر على إلغاء اتّفاق الصخيرات وشرعيّة حُكومة الوفاق من جانبٍ واحد؟ وهل حصَل على تفويضٍ شعبيٍّ فِعلًا؟ ومن هي الدول التي تَقِف خلف هذه الخطوة إقليميًّا ودوليًّا؟ وهل جاء البيان الأمريكيّ ضوءًا أخضر؟

 

الحُلم الأكبر الذي لن يُفارق الجِنرال خليفة حتّى اللّحظة الأخيرة من حياته هو أن يتم تتويجه رئيسًا لليبيا، وأن يخلف خصمه الأكبر العقيد معمر القذافي، وهذا الحُلم، أو الطّموح، هو الذي يُفَسِّر جميع تحرّكاته التي بدأت بالتّعاون مع الإدارة الأمريكيّة وأجهزتها للإطاحة بالزعيم الليبي، ولم تنتهِ بعد تحقيق هذا الهدف بالتّعاون مع حلف النّاتو، وزحف قوّاته إلى طرابلس العاصِمة بدعمٍ من دولٍ إقليميّةٍ ودوليّةٍ مِثل مِصر والإمارات والسعوديّة وفرنسا وروسيا.

بالأمس أعلن الجِنرال حفتر بعد أكثر من عامٍ من حِصار قوّاته للعاصمة الليبيّة وخوضها معارك للسّيطرة عليها، إسقاط اتّفاق الصخيرات المُوقّع عام 2015، والمُعتَرف به من الأمم المتحدة، والإطاحة بحُكومة فايز السراج المُنبثقة عنه، وتنصيب نفسه رئيسًا لليبيا المُوحّدة، وقال في بيانه “الأوّل” أنّه أقدم على الخطوة بتَفويضٍ شعبيٍّ ليبيّ.

وقال في هذا البيان الذي أذاعته بعض محطّات التّلفزة والمواقع التّابعة له “نُعبّر عن اعتِزاز قادة الجيش لتفويضها من قبل الشّعب بمهمّة إسقاط اتّفاق الصخيرات السّياسي، وإيقاف العمل به، بقرارٍ منه، أيّ الشعب باعتِباره مصدر كُل السّلطات”.

هذه الخطوة المُفاجئة تأتي بعد سيطرة قوّات الوفاق على مُعظم السّاحل الغربيّ لليبيا، واستِعادة مُدن مِثل صبراته إلى حُكمها، وتقدّم قوّاتها نحو ترهونة، ولكنّها لم تنجح في الاستِيلاء عليها بسبب مُقاومة القوّات التّابعة للجِنرال حفتر المدعومة ببعض قبائِلها القويّة وقوّات تابعة لنِظام العقيد القذافي.

قوّات حُكومة الوفاق لم تُحَقِّق هذا التقدّم إلا بفضل قوّات وطائرات ومنظومات دفاعيّة متقدّمة، ومُشاركة أكثر من 6 آلاف مُقاتل سوري هُم خَليطٌ من قوّات المُعارضة، وجماعات إسلاميّة متشدّدة جنّدتهم الحُكومة التركيّة، ونقلتهم إلى ليبيا، وسَط تقارير تقول إنّها تدفع 3000 دولار لكُل مُقاتل.

من الطّبيعي أن تُدين حُكومة الوفاق إعلان الجنرال حفتر بإسقاط شرعيّتها المتمثّلة في اتّفاق الصخيرات، وعبّر عن هذه الإدانة السيّد محمد علي عبد الله، مُستشارها السّياسي الذي قال في تصريحٍ له “إنّ هذا الإعلان هو ازدِراءٌ للحل السياسيّ والديمقراطيّة في ليبيا وإنّه خطوة يائسة لرجلٍ مهزوم”.

السّؤال الذي يطرح نفسه بقوّةٍ هو عن الأسباب التي دفعت الجنرال حفتر على الإقدام على هذه الخطوة، وفي هذا التّوقيت بالذّات وبعد خسارته لمُعظم السّاحل الغربي المُمتَد من طرابلس حتى الحُدود التونسيّة، وكيف حصل على هذا التّفويض الشعبيّ الذي مكّنه من إلغاء اتّفاق الصخيرات وتنصيب نفسه حاكمًا على ليبيا؟

هُناك عدّة تحليلات وتقارير إخباريّة تتّفق في مُعظمها على أنّ المشير حفتر لم يُقدِم على هذه الخطوة التي ربّما تكون محوريّةً في تاريخ ليبيا سلبًا أو إيجابًا، إلا بوعود بدعمٍ قويٍّ من قِوى إقليميّة ودوليّة قرّرت إنهاء حُكومة الوفاق، والدّعم التركيّ لها، وتنصيب الجِنرال حفتر رئيسًا على ليبيا، ونحنُ نتحدّث هُنا عن مِصر والإمارات والسعوديّة والولايات المتحدة الأمريكيّة وروسيا وفرنسا.

فروسيا أعلنت مُنذ اليوم الأوّل دعمها للجِنرال حفتر، واستضافته قِيادتها في موسكو أكثر من مرّةٍ، ولم تغضب عندما رفض صيغة اتّفاق أعدّته هذه القِيادة بعد مُفاوضات غير مُباشرة بينه وخصمه فايز السراج بإشراف سيرغي لافروف، وزير الخارجيّة، حتى أنّ الجِنرال حفتر غادر خِلسَةً مُتهرِّبًا من التّوقيع، والأكثر من ذلك أنّ شركة “فاغنر” الروسيّة القَريبة من الحُكومة جنّدت وأرسلت العديد من المُقاتلين الرّوس المُرتزقة للقِتال إلى جانِب الجِنرال حفتر.

وإذا كان موقف مِصر والإمارات معروفًا بدعم الجِنرال حفتر مُنذ اليوم الأوّل لتمرّده، لأنّهما ومعهما السعوديّة يُعارضان حُكومة الوفاق بسبب سيطرة الجماعات الإسلاميّة، وحركة الإخوان المسلمين عليها، بالإضافة إلى دعم الرئيس رجب طيّب أردوغان المُعلَن، فإنّ الموقف الأمريكيّ الذي اتّسم بشيءٍ من الغُموض في الفترة الماضية بدأ يتّضح أكثر فأكثر، ويميل للوقوف في خندق الجِنرال حفتر، ومُسانَدة إعلانه الأخير.

البيان الصّادر عن السّفارة الأمريكيّة في طرابلس بشأن إعلان حفتر إلغاء اتّفاق الصخيرات جاء “مُؤيِّدًا” في مضمونه، وربّما يُفَسِّر على أنّه ضُوءٌ أخضرٌ لاقتِحام طرابلس وإنهاء حُكومة الوفاق بإلغاء الغِطاء الشرعيّ لها، أيّ اتّفاق الصخيرات.

كان لافتًا أنّ البيان عبّر عن “أسَف” أمريكا على صُدور إعلان الجنرال حفتر، ورحّب بـ”مُشاركة  القائد العام للقوّات المسلّحة العربيّة الليبيّة المشير خليفة حفتر وجميع الأطراف الأخرى في حوارٍ جاء حول كيفيّة حلحلة الأزمة وإجراء تَقَدُّمٍ في البِلاد”.

من غير المُستَبعد أن تتدفّق الأسلحة والمَعدّات العسكريّة الثّقيلة على الجِنرال حفتر وقوّاته، لاستِعادة مُدن السّاحل التي تمّت خسارتها في الأسابيع الماضية، مِن أمريكا وروسيا معًا إلى جانِب مِصر والإمارات وفرنسا، وللتقدّم نحو قلب العاصِمة طرابلس.

الأيّام والأسابيع المُقبِلة ربّما تكون حاسِمَةً في الأزمة الليبيّة التي يعتقد البعض أنّها تقترب من نِهايتها، وسيدفع الشّعب اللّيبي مرّةً أُخرى صِراع الفِيَلَة هذا من دماء وأرواح أبنائه البرَرَة.. واللُه أعلم.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى