لماذا يُمحى شِعر الرَّصافي في ساسون ودانيال؟! (رشيد الخيّون)

رشيد الخيُّون

دار العودة ليس من حقها رفع قصائد الرَّصافي، وأي شاعرين (كبيرين) أشرفا على التصحيح ورضيا بهذا لتلاعب!!
سمعت كثيراً عن قصيدة الشَّاعر العراقي معروف عبد الغني الرَّصافي (ت 1945) في رثاء الوجيه العراقي اليهودي ساسون حسقيل، فعمدت إلى البحث عنها في صفحات ديوانه، أو أعماله الكاملة، الذي صدر بطبعتين عن دار العودة، الأولى 1972 ببيروت، في جزأين منفصلين، والطبعة الثَّانية صدرت العام 2000 في كتاب واحد عن الدَّار نفسها، اقتنيت الأولى مِن مكتبة الفقيد الأكاديمي سامي دانيل، والثَّانية اشتريتها مِن بيروت. بحثت بين مراثي الرَّصافي فلم أجد للقصيدة أثراً، ولربَّما لولا مير بصري (ت 2006)، الذي ضمنها لترجمته ساسون لضاع أثرها.
قرأت في حاشية المقدمة، التي وقعت بقلم قاسم الخطاط الآتي: «عندما شرعنا بطبع شعر الرَّصافي كلَّه (وركز على كلِّه)، وكلفنا شاعرين مِن الشُّعراء العرب الكبار (ركز على الكبار) تصحيح الطَّبعات القديمة، وقد كانت مملؤة بالأخطاء المطبعية وبالتَّحريف، آثرنا أن نُقدم لهذا الدِّيوان دراسة واضحة فاجتزأنا مِن الدّراسة الوافية، التي أعدها الأستاذ قاسم الخياط هذا الجزء الذي يعني القارئ مباشرة، ويلقي ضوءاً على حياة الرَّصافي وسيرته» (الأعمال الشِّعرية الكاملة).
أسأل هنا بأي حق تُرفع أكثر مِن قصيدة مِن قصائد الرَّصافي، وتقول دار النَّشر أنها نشرت شعر الرَّصافي كلَّه؛ وأي شاعرين كبيرين رضيا بهذا الاقتطاع، وأشرفا على التصحيح والتَّدقيق! ولو سقطت مرثية أخرى لقلنا أن الأمر لم يكن مبيتاً، لكن حذف القصيدة الخاصة بساسون والأخرى بدانيال مِن الأعمال الكاملة يوهمنا أمراً. ولا نفسر ذلك بأكثر مِن الجهل والتَّعصب الأعمى، مِن الشاعرين الكبيرين، الذين لا نعرف اسميهما وحجمهما إن كانا مِن الكبار أو الصِّغار، أو مِن الدَّار التي سمت نفسها بالعودة، وها هي العودة صارت في خبر كان.
كان الوجيه العراقي ساسون حسقيل (ت 1932) أول وزير مالية في أول حكومة عراقية (1920)، وظل وزيراً حتى 1925 في وزارة ياسين الهاشمي الأولى، وكان نعمَ القرار. قال نائب رئيس حزب الاستقلال فائق السَّامرائي (ت 1979)، بعد حين، في فضل ساسون: «لقد كان إصرار المرحوم ساسون حسقيل في مفاوضاته مع شركة النَّفط البريطانية العام 1925 على وجوب دفع الشِّلن بالعملة ذهبية كان يبدو غريباً في وقته. لأن الباوند الاسترليني كان يستند إلى قاعدة الذَّهب آنذاك. ولكن هذا النَّص بعد خروج بريطانيا على قاعدة الذَّهب أفاد العراق فائدة كبيرة، وضاعف كثيراً مِن أرباحه».
ولم يتأخر معروف الرَّصافي (ت 1945) عن رثاء هذا الوجيه الوطني في قصيدة، منها:
لقد كان في الأوطان يـرأب صدعها
فيسعى إلـى الإصــلاح فيها ويـدأب
فأصـغــى لشكواها وزيــراً ونائــــباً
وعالجهـــا منه الطَّبيـــب المجــــرّب
وأبعد مرمـــى حبهـــا في شبـــابه
وجاهد في إسعادهــا وهو أشــــيب
لئن كان، يا ساسون، غيبك الـرَّدى
لذكـــرِاك بالعـــليــــاء لا تتغيـب
لم تمح دار العودة قصيدة الرَّصافي في رثاء ساسون، إنما محت أيضاً قصيدته في المُحسن العراقي مناحيم دانيال عندما شيد على حسابه الخاص بناية حديثة للميتم الإسلامي العام 1928، فقال فيه قصيدة منها:
شادَ ابن دانيال الكريم لذا البنا
بالمال مشترياً به كلَّ الثَّناء
فلنكنه بأبي الأيتام بع ذا
إذ لا يُخاطب مثله بسوى الكُنى
رجل علمنا اليوم مِن إحسانه
إن ليس للإحسان دين في الدُّنى
تبقى تلك الممارسة وصمة عار بجبين المتعصبين، الذين لا يطولون ساسون ودانيال في الرِّفعة والعفة، والسَّماحة، أراهم هم الأحوج إلى رثاء الأمانة فيهم، كانت إساءة للرَّصافي قبل غيره.

 

 ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى