ليست جمهورية «أيتام» (وائل عبد الفتاح)

 

وائل عبد الفتاح

1

حصاد ٨٠ سنة في عينه الميتة.

المرشد محمد بديع امام الكاميرات مستسلما يطلب شربة ماء، منتظرا ما سيفعله يقين اصبح مهزوما الآن بكل ما تعنيه الهزيمة السياسية من تغير في البيئة السياسية. اليقين هنا بعالم افتراضي اصرت الجماعة على فرضه فرضا، وتثبيته تمكينا، في إلغاء للجغرافيا والتاريخ.
«بديع» وصل رأس هرم الجماعة وهي موزعة بين قلب قطبي وعقل تاجر شاطر. تركيبة توافقت مع مزاج مبارك وطريقة حكمه بالصفقة والرعب، وعبر عنها الرجل المتخصص في تحفيظ الادوار والاشراف على التربية العقائدية.
لم يكن محمد بديع مميزا، وهذه ميزته التي سمحت لخيرت الشاطر بالسيطرة على الجماعة (وقت السلم) ولمحمود عزت قيادتها (وقت الحرب). والحرب لم تبدأ في ٣٠ يونيو/حزيران ولم تشتعل بعزل مرسي، وانما من لحظة شعور بالخطر دفع الجماعة الى التحالف مع «اجنحة العنف المتعددة» في التيار الاسلامي الى الدرجة التي وصلت في الاجتماع الشهير في «الصالة المغطاة» الى تكوين ما يشبه «هيئة حربية».
اختيار العنف كان دفاعا عن «العالم الافتراضي» و تعاميا عن تحالف آخر يتأسس بفعل الشعور بالخطر، بين الدولة او مؤسساتها الهاربة من الانهيار وقوى ديموقراطية/ثورية ترى في «تحالف الاخوان وجناح الارهاب» وصولا بالصراع السياسي الى حالة الحرب على الدولة (تدميرها) والمجتمع (تعطيل عملية تأسيس مفاهيمه ووجوده) والثورة (تأسيس تسلط ديني وفاشية تحتل مكان التسلط القديم وطغيانه). وكما لم يكن أمام الاخوان الا اختيار (جناح العنف) دفعت القوى الديموقراطية الى «التحالف الخطر» مع «الدولة «.

2

«الجنرال» ليس قديما تماما.

لدى الفريق السيسي جديد اضافه إلى «ملامح منتقاة» من الماضي… ربما إدراك بأنه لا يمكن انقاذ «الدولة « و«مؤسساتها» الا في حماية «الشعب».
لكن هل يعني جديد الجنرال انه يدرك معنى استدعاء الشعب الآن؟ ام انه سيحاول عبر اجهزة بروباغندا ليس لديها سوى زمجرة آلات صنع «الأب الديكتاتور»…؟
غالبا لم يعد الامر وحده بيد الجنرال او وعيه، وبرغم انه «اللاعب المحوري» في تركيبة ٣٠ يونيو/حزيران الا انه لن يستطع السير وحده طويلا ولن يتمكن من ازاحة شراكة «الكتلة السياسية» بالسهولة التي استطاع بها ازاحة البرادعي .
الفريق اقنع البرادعي انه سيسير خلفه، لكنه لحظة الانفلات كان قراره اسرع، لم ينتظر خاصة وانه كان للبرادعي تصور لما يحدث اسير نظرة «الموظف الدولي المحترف في المفاوضات»، وهي نظرة تحيل الاخوان الى «طرف» و«المجتمع كله» الى طرف آخر.
لم يدرك البرادعي ان شيئا يمكن تغييره من دون «الهزيمة السياسية» لتيار الارهاب الذي يرى الديموقراطية (حدثا لمرة واحدة لا عملية تبادل) والوصول للسلطة (فرصة اخيرة)… هذا التيار اصبح مسيطرا (حتى خارج حتى ارادة الاخوان) على اعتصام رابعة…
رأى البرادعي من موقع المفاوض الدولي الاخوان، ولم ير خضوعهم تماما لخيار الارهاب وتحالفهم مع تنظيمات «العداء مع الحضارة»… كما لم ير ان وعود الجنرال يمكن ان تنتهي في لحظة اصدار الاوامر بالحرب.
لم يدرك البرادعي ان السياسة تعتمد على بناء موقف سياسي، وليس تلويحا بورقة الانسحاب، وان التلعثم انتهى عندما دخل في قلب وأمعاء «الدولة» بتركيباتها القديمة/المجنزرة/ودهاليزها ومتاهاتها وفي مواجهة مؤسسات تدافع عن اسطورتها/كيانها المفقود.

3

طابور خامس اذا.

تهمة تطارد من يحارب ضد «موت السياسة « في ظل اعادة بناء «صنم كبير» من الجنرال المحبوب/متسللا في ظله كل ايتام دولة مبارك، وكأنهم يزيحون عن مبارك انحطاطه ليبدو طبعة قابلة للاستخدام بعد زوال الاخوان.
لن يزول الاخوان لكنهم سيتحولون غالبا الى «ايتام المرسي» الذين يكملون مع «ايتام مبارك» الثنائية التي قامت عليها «الجمهورية القديمة».
والعودة الى جمهورية الايتام المزدوجة ستمثل فشلا جديدا وسيرا في اتجاه الكارثة، لان الدولة لن تقوم لها قائمة من دون وجود قوي وفعال للقوى الديموقراطية واعادة بناء اجهزة الامن بعيدا عن عقل «الدولة الامنية».
امام قوى الثورة اذا مهمة تاريخية في مواجهة «الفاشية الدينية» و«الدولة الامنية» بعد حرب لم يكن من الممكن الهروب منها.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى