شرفات

ماتوا تباعاً ، وبهدوء: نديم وعباس وسليمان وجفان ولؤي..ووفيق حسون

ماتوا تباعاً  …. مات شاعرُ القصائد القصيرة وفيق حسون، لم تعدْ أزهارُ قرية الهنادي وأشجارها وعصافيرها تسمع صوته كل صباح، وهو يدندن آخرَ قصائده، ويدوّنها بقلمه الأنيق الذي يخفيه في صدره ، وكأنه سلاح.

لم يشأ وفيق أن يردّ على اتصالاتنا ورسائلنا واستفساراتنا عن صحته التي تدهورت إلى درجة الموت، كان يريد أن يذهب إلى السماء هادئاً بدون ضجيج، كأنه يناشدنا فيقول: اتركوني ، لقد تعبت..

مات وفيق حسون تماماً كما فعل لؤي حسين وجفان الحمصي وسليمان عيسى إسماعيل ونديم درويش وعباس عباس، ماتوا بهدوء شديد وكأنهم تأبطوا ذراع الموت بيد باردة، وأخبروه أن راحة الميت هي في رحيل صامت، فرضي الموت، ورافقهم من دون جلبة.

ظل لؤي يكتب حتى فارق الحياة، آخر ما كتبه في السياسة كان بعنوان: (إذن)، وهي كلمة تشابه في معناها كلمة (وبعد). وبعد ، كان نزيفه هو آخر تعبير له عن رغبته في مشابهة الوطن..

وكان جفان الحمصي يمشي في شارع ساحلي صاخب بضجيج الناس عندما شعر بتعب مفاجئ، فذهب إلى مكتب صديقه وانحنى على طاولة زُيّنت بآنية قيشاني مليئة بالأزهار، ثم سلم روحه. أخفى كل الأشعار التي كتبها في الزمن الصعب وأسماها : من دون ضجيج، ومات من دون ضجيج ..

التقاني سليمان عيسى إسماعيل (أبو أمجد) بعد أكثر من عشرين سنة من افتراقنا، رتب لنا اللقاء صديقنا المشترك النحات العالمي وليد محمود، الذي أخذني معه فزرنا أبو أمجد في قريته سلمية في أعالي جبال جبلة، أطعمني الجوز مع الشاي، وهو يحكى لي عن منحوتاته التي أعجب بها وليد..

مات وليد بحادث سيارة بعد أسبوع، فأخذني أبو أمجد إلى قبره ، وهمس بصوت خافت كأنه في ضريح أحد الأولياء: هل تسمع صوت مكاسرة البازلت في قبر وليد، أنصت ، وهمست له : أريد أن أسمع صوت النحت في بيتك وأنت حي ؟

بعد عدة أشهر تدحرج جسد أبو أمجد مع الحافلة التي تدهورت وهي تنقله إلى وادي القلع في مرتفعات جبلة العالية، وعندما هرعت السيارات لإنقاذ المصابين كان أبو أمجد قد فارق الحياة وقد تلون وجهه نتيجة الألم بلون قشور الجوز التي أطعمني لبها، ومن فمه سال خيط من الدم.

لم أزر نديم درويش قبل موته، لكني تصورته، وهو يمسح على ظهر عنزته البلدية في حمام القراحلة، تلك العنزة التي حكى لي عنها بأنها قادرة على أن تطعم أسرته أيام الزمن الصعب، مات نديم (أبو رميلة) كحارس لسنديان الجبال العالية.

أما عباس عباس فقد علمت أنه مات ضاحكاً وهو يداعب السرطان، وكان يردد أن الموت من الضحك أفضل من الموت من القهر!

ترى كيف ستموت نحن ؟!

أين سنموت ؟

من الذي سيكتب عنا؟

هل سنموت بهدوء

أنا لا أريد أن أموت بهدوء، أريد أن أصرخ، لأن الصراخ في هذا الزمن ضروري،

أريد أن أصرخ لكي يتجمع العالم كله ويسمع ما أقول من أنني لا أريد أن أموت بهدوء، لأن الموت الهادئ يشبه إلى حد كبير موجة متهالكة عند شاطئ الخلاص الأبدي !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى