تحليلات سياسيةسلايد

ماذا بعد ترشّح سيف الإسلام القذافي رسميًّا لخوض الانتخابات الرئاسيّة؟

بتقديمه أوراق الترشّح لانتخابات الرئاسة المُقرّرة في 24 من شهر كانون الأول (ديسمبر) المُقبل، يكون السيّد سيف الإسلام القذافي قد ألقى بصَخرةٍ كبيرة في بركة الحياة السياسيّة الليبيّة المليئة بالحيتان المُفترسة من مُختلف ألوان الطّيف المناطقي والعشائري والمدعوم بعضها من قوى خارجيّة إلى جانب الداخليّة.

أمران من الصّعب التنبّؤ بهما، الأوّل يتمحور حول فُرص انعقاد هذه الانتخابات في موعدها المُقرّر حيث تتعاظم الضّغوط لتأجيلها، والثاني مدى قُبول ليبيا المُمزّقة المُنقسمة، والدّولة الفاشلة التي تحوّلت إلى غابةِ سلاح تسودها الميليشيات مُنذ الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي بفعل تدخّل حلف النّاتو قبل عشر سنوات، بهذه الانتِخابات ونتائجها بالنّظر خاصّةً إلى انتخاباتٍ سابقة وما تمخّضت عنه من نتائج، عمّقت الأزمة بدلًا من إيجاد حُلولٍ لها.

جميع شُروط الترشّح في الانتِخابات مُتوفّرةٌ في السيّد سيف الإسلام، فهو لا يحمل أيّ جنسيّة أُخرى غير الليبيّة، وغير مُتزوج من أجنبيّة أو غير أجنبيّة أيضًا، فنحن لا نعرف ظُروفه الاجتماعيّة الحاليّة، ولم يخدم في المُؤسّسة العسكريّة رسميًّا، وقادر على التقدّم بقائمة تزكية من تسعة آلاف ناخب، ولكنّ هُناك شرطًا آخر لم يتضمّنه قانون الانتخاب ربّما يكون الأكثر خُطورةً وأهميّة، وهو مُطالبة محكمة الجنايات الدوليّة بتسليمه ومُحاكمته بتُهم الإرهاب وارتكاب جرائم حرب، ومن المُفارقة أنّ أمريكا الدّولة غير العضو في هذه المحكمة أعلنت مُعارضتها لترشّحه اليوم.

السّلاح الأقوى الذي يملكه نجل العقيد معمر القذافي، ولا يملكه أيّ مُرشّح آخر من مُنافسيه، هو خيبة أمل الشّارع الليبي في مُعظم، إن لم يكن كُل، رموز العهد الحالي، ولغياب الأمن والاستِقرار، واستِفحال الانقِسام السّياسي والمناطقي والعشائري في رُبوع البِلاد، وانتِشار الفساد، ونهب أكثر من 300 مِليار دولار من ثروات البِلاد، وتشرّد ما يقرب من نصف الشعب الليبي في المنافي المُجاورة، والغياب شِبه الكامل للخدمات العامّة، وارتِفاع منسوب الفقر في دولةٍ تُعتبر واحدة من أغنى عشر دول في العالم بسبب ثرواتها النفطيّة وصُغر عدد سُكّانها.

لا شك أن هُناك مُنافسين أقوياء مُحتملين للسيّد سيف الإسلام يملك بعضهم المُؤهّلات التي تُوفّر له الدّعم في أوساط قطاعات من الشعب الليبي، مِثل الجنرال خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، الذي ما زال يُواجه جدلًا قانونيًّا حول شرعيّة ترشّحه لأسبابٍ عسكريّة وقانونيّة، أو السيّد عبد الحميد الدبيبة، رئيس الحُكومة الحاليّة المُنبثقة عن مُؤتمر جنيف الدولي، رجل الأعمال الثري الذي يملك المال، بل والكثير منه، ويُمكن أن يكون “حريري” ليبيا، ولا ننسى في هذه العُجالة السيّد عقيلة، صالح رئيس البرلمان الليبي، والرّجل المُخضرم الذي يملك شعبيّة لا بأس بها في الشّرق الليبي تعود إلى دعم من قبائل قويّة، والسيّد فتحي باشاغا، ابن مصراته، وزير الداخليّة الأسبق، الشخصيّة القويّة والمُؤثّرة في الغرب الليبي، ومحمد خالد عبد الله الغويل، رئيس حزب السّلام والازدهار، والقائمة تطول.

لا تُوجد مُؤسّسات “سبر أغوار” الرأي العام في ليبيا مُتخصّصة في الاستِطلاعات حتّى نعرف من خِلالها حقيقة توجّهات الرأي العام الليبي ومُيوله، وربّما يعتقد الكثيرون أنّ الحديث عن هذه المُؤسّسات هو نوعٌ من التّرف، ومُغالطة الواقع، في ظِل غيابٍ شِبه كامِل للدّولة وبُناها التحتيّة والمُؤسّساتية، ولهذا يصعب علينا التعرّف على ملامح المُنافسة الانتخابيّة وحُظوظ المُتنافسين، وهو أمْرٌ مُؤسف إذا وضعنا في اعتِبارنا أنّه لم يبق أقل من أربعين يومًا على موعد الذّهاب إلى صناديق الاقتِراع.

سيف الإسلام القذافي قد يُجَسِّد إرث حُكم والده الذي امتدّ لأكثر من 40 عامًا، وكان حافلًا بالمُفاجآت والمُفارقات، ولكنّ هذا الإرث، اتّفق معه البعض أو اختلف، كرّس وحدة التّراب الليبي، وعزّز الهُويّة الليبيّة العربيّة الجامعة، ووضع ليبيا في مكانةٍ بارزة على الخريطة العالميّة كدولة مُهابة ومُؤثّرة.

لا نُجادل مُطلقًا بأنّ نظام القذافي كان نظامًا ديكتاتوريًّا، سجله في مجال حُقوق الإنسان ليس ورديًّا على الإطلاق، ولكن في ظِل حالة الانهِيار التي تعيشها ليبيا حاليًّا، يترحّم الكثيرون على تلك المرحلة، وعلى هذا النظام، الذي لم يُسقِطه الشعب الليبي وثورته، وإنّما غارات طائرات حلف “النّاتو”، ومُؤامرة دوليّة تتزعّمها الولايات المتحدة القُوّة الأعظم في العالم، وبتواطؤ من الجامعة العربيّة وبعض الدّول الأعضاء فيها.

سيف الإسلام ربّما تُركّز حملته الانتخابيّة على مجموعةٍ من الحقائق التي تؤكّد أنّه كان على نقيضِ والده وحُكمه، من حيث مُطالبته بالإصلاح عندما كان وليًّا غير مُتوّج للعهد، وانفِتاحه على المُعارضة، والإفراج عن الكثير من المُعتقلين السّياسيين، علاوةً على دوره في رفع الحِصار عن ليبيا من خلال لعب دورٍ كبير في تسوية أزمة لوكربي، ولكن لا يُمكن في الوقت نفسه تجاهل المُتغيّرات التي طرأت على المجتمع الليبي مُؤخَّرًا، أبرزها صُعود جيل جديد من الشّباب يملك تطلّعات طموحة مُختلفة، برموز جديدة، تتبنّى مشاريع تنمية وتُحَقِّق الرّخاء للشّعب ومطالبه المشروعة في بناء دولة تسودها المُساواة وحُكم القانون والقضاء العادل المُستقل، وهذا هو التحدّي الحقيقيّ للسيّد القذافي وكُل المرشّحين الآخرين.

الشعب الليبي، الضحيّة لأحد أكبر الأكاذيب الديمقراطيّة في العهد الحديث، عانى كثيرًا طِوال السّنوات العشر السّوداء الماضية، ومن حقّه أن يختار رئيسه وبرلمانه، من خِلال انتخابات حُرّة ونزيهة، وأن يحترم العالم هذا الخِيار أيًّا كان.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى