كتب

مازال الدخان لايطير يا إحسان

مازال الدخان لايطير يا إحسان… يقول الكاتب الكبير نجيب محفوظ” إننا نستنشق الفساد مع الهواء فكيف تأمل أن يخرج من المستنقع أمل حقيقي لنا؟!”.

الفساد والواسطة والمحسوبية والمنسوبية مازالت ترخي بظلالها على مجتمعاتنا آلى الآن ، لكل عهد جديد القوى التي تحميه وترفع بعض الناس وتخفض من قيمة البعض الآخر ،هناك مستفيد وهناك خاسر وهناك انتهازي مثل فهمي عبد الحميد بطل رواية حتى لايطير الدخان .

تعتبر رواية إحسان عبد القدوس “حتى لايطير الدخان” من أشهر روايات صاحب الوسادة الخالية القصيرة والتي تحولت أيضاً الى فيلم من بطولة النجم الكبير عادل إمام غير ان هناك اختلاف بين احداث الرواية والفيلم وهنا سنتناول الرواية بعيداً عن الفيلم.

“طباخ السم لم يتذوقه”

على عكس المثل الشائع ” طباخ السم يتذوقه” لم يتذوق فهمي عبد الحميد السم الذي يحضره لإصدقائه.

تناولت الرواية  عدة موضوعات اولها الحقد الطبقي بين الطلبة ، فبطل الرواية طالب”كلية القانون”  من عائلة ريفية فقيرة ترسل له والدته كل شهر مبلغ مادي ضئيل جداً مقارنة بما يحصل عليه زملاؤه من اولاد الذوات في الجامعة لكن فهمي راضي بعيشته وحريص دائماً على تنمية علاقاته مع كل من حوله من الطلبة ، الاغنياء والفقراء والسياسيبن من الطلبة المنتمين الى الأحزاب لكن دون ان ينتمي الى شليلة او حزب معين.

في هذه الرواية رسم إحسان بطله”بلا مبدأ” انتهازي وطموح من الدرجة الأولى، شخصية محبوبة ومتميزة في كسب الصداقات الجديدة ،  يملك علبة سكائر في جيبه ولايدخن لكن يقدمها للطلبة المدخنين من الأغنياء لكسب ودهم .

إلى ان تعجز  والدته عن إرسال النقود له فاضطر الى المبيت في شقة صديقه عبد الرؤوف في الزمالك “وهي الشقة التي كانت شبه غرزة يجتمع فيها عبدالرؤوف مع كل اصدقائه الحشاشين، ليكون خادم لهم ، لكنه بنضوجه وعقله اصبح سيداً عليهم.

“حتى لايطير الدخان”

والدخان في هذه الرواية رمز للفساد فعندما ضاق صدر فهمي في الليلة الأولى في الغرزة فتح النافذة فقال له اصدقاؤه اغلقها حتى لايطير الدخان!والدخان كما ذكرت هو إستعارة للفساد الذي يتمسك به المجتمع في كل العهود فزمان الرواية قبيل العهد الملكي والجمهوري في مصر وفي العهدين يتردد على الغرزة السياسيين والضباط والبشوات فالغرزة محمية ومسنودة من رؤوس كبيرة في الدولة في كل العهود ..

ينتهز فهمي وجوده في الغرزة ويبدأ بالمتجارة بالحشيش لتحسين حالته المادية.

“يتاجر في الحشيش .. لم لا؟! العالم كله حشيش، وهذه القوانين التي تحرم الاتجار بالحشيش ليست سوى برقع اجتماعي كالبراقع التي تضعها النساء ل الحرصهن على العفة أو لعدم إثارة الرجال إنما فقط ليزددن دلالاً وخلاعة.. إن المختفي أغلى من المفضوح”.

وليس الحشيش فقط  بل يخصص الشقة التي فوق شقة صديقه عبد الرؤوف للدعارة بمساعدة سنية الخادمة المطيعة  وهي رمز للانثى الضعيفة الجاهلة التي يقودها حبها لفهمي للدعارة ، تنضيم واسع بين المخدرات والدعارة يقوده فهمي الحاقد على اصدقائه الاغنياء مسنود من الدولة، خدمة مقابل خدمة ، اكبر الصفقات والاحداث المهمة في البلد كان يتم التخطيط لها في هذه الغرزة ، ولم يشرب بَطل الدخان الحشيش ولن ينتمي لأي حزب او جهة سياسية بل سعى كعادته لعقد صداقات مع جميع الجهات السياسية والاحزاب، وجنى اموال طائلة من تجارة الحشيش وعقد الصفقات.

وفهمي عبدالحميد مثال للعديد من الناس مازالوا اليوم في مجتمعاتنا الشخصية الانتهازية البعيدة كل البعد عن المبادئ عبيد المال والسلطة.

المثير في الرواية هو المشهد الأخير بعد ان يبلغ فهمي عن واحد من ذوي النفوذ في السلطة”البرنس” الذي يتردد مع حاشيته على غرزة فهمي، تقرر القيادة تعيين فهمي وزير في الدولة لقاء تقديمه العديد من الخدمات للحكومة وهذا هو المضحك المبكي.

تم عرض فيلم “حتى لا يطير الدخان” بالسينما عام 1984 من بطولة: عادل امام- سهير رمزي- سناء شافع- أحمد راتب- يوسف فوزي، ومن اخراج أحمد يحيي وكتب السيناريو والحوار مصطفي محرم، وحقق الفيلم نجاحا كبيرا وقت عرضه ونافس في مهرجان قرطاج الدولي من العام نفسه.

 

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى