ما هي أسباب التهويل الفرنسي بضرب سوريا؟

إعلان الرئيس الفرنسي عن استعداده لمشاركة أميركا وبريطانيا في العدوان على سوريا بذريعة السلاح الكيماوي، هو إشارة للحليف الأميركي بأن فرنسا لا تزال تحافظ على تبعيتها للولايات المتحدة في السياسة الخارجية على الرغم من الإذلال الأميركي لأوروبا. وأنها لا تزال تعوّل على أميركا في أن تأخذ المصالح الفرنسية بعين العطف وقت تقسيم المغانم، إذا لم يراعِ ترامب هذه المصالح في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وأوروبا.

أمام المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين الذي يلتئم عادة في قصر الأليزيه لإعراب الرئيس عن توجهاته، يكشف ماكرون عن عدم إمكانية الاعتماد على أميركا وحدها في حماية الأمن الأوروبي. لكنه يحافظ على شعرة معاوية مع الولايات المتحدة، ولا يقطعها تعويلاً على مكاسب محتملة من المغانم الأميركية في الشرق الأوسط وغيره، وليس تعويلاً على الحماية الأميركية التي تخلى عنها ترامب، بحسب تعبير ماكرون، وإلحاحه على المزيد من الضرائب الأوروبية في الحلف الأطلسي.

ماكرون الذي يتحدث عن أن “ضمان أمن أوروبا هو مسؤولية أوروبية”، يتحدث عما يسميه “تحالفات جديدة” يذكر منها روسيا بالإسم. لكنه في الوقت الذي يشير فيه إلى انحياز العديد من الدول الأوروبية إلى اليمين المتطرف وعدم مراهنتها على أوروبا الموحّدة، لا يذكر ماكرون الدول الأوروبية التي يمكنها أن تحمي أمن أوروبا. ولعل السبب في ذلك أنه لم يعد في أوروبا سوى ألمانيا التي تترنح على رأسها أنجيلا ميركل. وأن ترامب لم يفعل سوى كشف أزمة الاتحاد الأوروبي في عجزه عن بناء منظومة دفاعية خاصة وبناء سياسة خارجية مستقلة.

لكن ماكرون الذي يحلو له إطلاق العبارات التي تشير إلى تقمّص دور نابليون بونابرات في التنطح للمعجزات، بحسب التعليقات الفرنسية، يتعمّد الحديث عن الدروس التي يعلّمها لأوروبا. وفي هذا الصدد يتحدث عما يسمية “مراجعة شاملة” ويعِد بمبادرات جديدة سواء في أوروبا أو في الشرق الأوسط. وفي كل مكان يتوقف حل الأزمات على أن يدلو بدلوه.

ولا ريب أن التهويل الذي يتعمّده ماكرون للإيحاء بقدرته على التأثير البالغ في أوروبا وفي السياسة الدولية، هو محاولة للتهرّب من أزمته الداخلية في فرنسا التي تتلخص بأن جميع وعوده لما سماه “الثورة الإصلاحية” تتكشف أنها وعود عرقوبية أفضت إلى استفحال الهوّة الساحقة بين الفقراء والأغنياء. فهذا الأمر أدى إلى انخفاض تأييده الشعبي وإلى المزيد من انحيازه إلى الفئات التي يسعى إلى طمأنتها “برزمة جديدة من الاصلاحات”. وبناء على الأزمة الداخلية في فرنسا تسعى المعارضات الفرنسية إلى تحويل الانتخابات الأوروبية في فرنسا بعد 9 أشهر، إلى استفتاء على عزله من الحكم.

في هذا السياق للتهرب من الأزمة الداخلية على الأرجح، يعِد ماكرون في مؤتمر السفراء “بإطلاق مبادرة لتشجيع الاستقرار في الشرق الأوسط”. ولا يتناول ماكرون في هذا الصدد وفي غيره سوى إطلاق الحديث عن وعود من دون مضمون، وفق معظم الدراسات التي تناولت تقويم فترة رئاسته في فرنسا.

ففي الغالب تستند هذه الوعود على معطيات خاطئة تماماً، أو شديدة المبالغة لغاية في نفس يعقوب. فهو يحكم على سبيل المثال “أننا نجحنا ببناء خط أوروبي أساسي في الأزمة السورية”، من دون أي توضيح في هذه المبالغة السافرة. لكنه يعترف أن الأزمة السورية وصلت إلى نهايتها وأصبحت في شهورها الأخيرة وفق تعبيره. وفي هذا الأمر يستنتج ماكرون بأن فرنسا تسعى إلى تجديد دورها في سوريا “اعتماداً على ترويج خريطة طريق دبلوماسية بشكل أساسي مع الأمم المتحدة”. ومن ضمن هذا الترويج يزعم ماكرون بأنه يعمل على عودة اللاجئين السوريين من الأردن ولبنان وتركيا وغيرها، كما يدعي بأن الرئيس بشار الأسد يرفض عودة السوريين إلى بلدهم.

يراهن ماكرون على التهويل بدور فرنسا في سوريا، للتقرّب من الولايات المتحدة التي تحاول إعاقة معركة تحرير إدلب وإسدال الستار على الأزمة السورية. وذلك أملاً فيما يسميه “تجديد الدور الفرنسي” في مؤتمر جنيف الذي يدعو إليه ستافان دي مستورا. وفي هذا السبيل عيّن ماكرون في مؤتمر السفراء فرنسوا سينيمود مبعوثاً رئاسياً خاصاً حول سوريا. وهو المدير السابق للاستخبارات الفرنسية الخارجية بين 2012 – 2018 وسفير بلاده في طهران. ولعلّ ماكرون يأمل بفتح “خريطة طريق” مع الدولة السورية خلافاً لترويج قدراته المزعومة في العلن والإعلام. ولا ريب أن السفير الرئاسي الخاص سيقف في آخر الصف حين تمنّ الدولة السورية باستقبال السفراء والمبعوثين.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى