كلمة في الزحام

مبروك الزواج مبروك الطلاق

مبروك الزواج مبروك الطلاق…. أصحاب القاعات التي تقام فيها حفلات الأعراس بالمدن التونسية يجنون أموالا طائلة فترة الصيف، فلا تكاد تمر ليلة واحدة دون مزامير سيارات وأهازيج وطبول وزغاريد تصم الآذان حتى مطلع الفجر.

من ينظر إلى قوافل السيارات الفخمة المزدانة بالأشرطة والورود وهي تجوب الشوارع وقد اعتلاها المصورون، وركبها المدعوون وهم في أبهى أناقتهم، يظن أن لا فقر ولا خصاصة ولا بطالة ولا كآبة في “بلاد الترارنّي” أي بلاد الزهو والطرب كما نعتها أحد كتاب الفكاهة في الأيام الخوالي.

ومن يتأمل في ما ينفقه التونسيون على احتفالياتهم، يظن أنهم من أغنى شعوب الأرض ومن أكثرها رفاهية فلا يصدق لا حركات الاحتجاج، لا موجات التظاهر، ولا صندوق النقد الدولي ولا من يحزنون.

إقامة صالة أفراح هو بالتأكيد، الدجاجة التي تبيض ذهبا في الصيف، أما أثناء الشتاء، فتصبح خالية على عروشها تجتر ليالي الصخب صامتة مثل المسارح الرومانية.. وينقلب المزاج.. كيف؟

“الشتاء في الصالة والصيف في قصر العدالة”.. إنه مثل تونسي صادق التعبير وشديد الالتصاق بالواقع، ذلك أن هذا الكم الهائل من المتزاحمين على قفص الزوجية في الصيف، يعادله نفس العدد أو يزيد من الذين تكتظ بهم قاعات المحاكم في الشتاء للنظر في قضايا الطلاق والنفقة والخلافات الزوجية.

إنه موسم جرد الحسابات إذن، حين تنتهي أشهر العسل وأيام الاسترخاء على الشواطئ بفضل المديونيات المتراكمة والشيكات عديمة الأرصدة.

راحت السكرة وجاءت الفكرة كما يقال. انهارت قصور الرمال وكشرت الحقائق عن أنيابها في الفصل الذي تتجرد فيها الأشجار من أوراقها وزهورها وثمارها.

نسبة الطلاق في تونس مرعبة كما هي نسبة حفلات الأعراس في الصيف.

ولأن التونسيين مهووسون بالاحتفاليات، فلقد أقاموا لوقائع الطلاق احتفالات بدورها في تقليد جديد بدأ يتسرب وينتشر في أوساط اجتماعية يزعم أصحابها أن الطلاق يستحق أيضا الاحتفال، على اعتباره دخولا في حياة جديدة وحالة انعتاق من الأقفاص الزوجية.

أن تكون مدعوا إلى احتفالية طلاق، يعني أن تتهيأ لهذه المناسبة وتأخذ في يدك هدية وأنت في منتهى التأنق واللباقة مهنئا المطلق ومتمنيا له حياة مديدة ملؤها الديمومة والانسجام مع واقعه الجديد.

احتفاليات الطلاق لا تزال خجولة طبعا، ولا تستحق قاعة أفراح فسيحة لاحتضانها، لكنها واعدة وتبشر باتساع سوقها وازدهارها داخل مجموعة بشرية نزقة وتحتفل بأي شيء وبكل شيء، وتحت أي ظرف.

هذه ثقافة الاستهلاك في أعلى تجلياتها، خصوصا حين نجد لها ما يخصبها من عادات وتقاليد، وكذلك أزمات اجتماعية ونفسية.

لا فرق بين مزواج ومطلاق إذن، إلا بالقدر الذي يتطلبه الأمر من مال كي يكون في مستوى مواكبة “الحدث”.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى