متاعب الصحافة : التملق ليس مهنتي !

طلبتْ مني مجلةُ الفكر السياسي قبل أكثر من شهرين الكتابة فيها، وهي مجلة تابعة لاتحاد الكتاب العرب في سورية، الذي أنتمي إليه، ويفترض تلقائياً أن أشارك في منشوراته بمادة تخص هذه المجلة أو تلك .

وفعلاً، حاولت أن ألبي هذا الطلب بمقال، كنت أفكر بكتابته قبل شهر، وعندما أرسلته علمت من هيئة التحرير أنه جيدٌ، إلا أنه قصيرٌ ولايصلح لمجلة تنشر بحوثا طويلة، وأخبروني بود ومحبة أنهم ينتظرون مني بحثا أطول يناسب سياسة المجلة (على صعيد الحجم)..

هكذا بدأت المسألة..

كان النص الذي قدمته إلى مجلة الفكر السياسي يتعلق بكتابات سياسية جريئة للكاتبة والصحفية ديانا جبور، وكانت السيدة ديانا قد أُعفيت من منصبها كمدير عام لمؤسسة الإنتاج الدرامي الإذاعي والتلفزيوني، وعندما نشر مقالي هنا في بوابة الشرق الأوسط الجديدة، تصادف ذلك مع تعيينها من جديد بمنصب آخر كمدير تنفيذي لشركة إيمار الخاصة بالانتاج الدرامي..

وسريعا علّق بعض الأصدقاء (في المهنة) على مانُشر إزاء المقالات الخمس بأنه تودد من السيدة ديانا بعد منصبها الجديد، وهذه التعليقات جاءت بمعنى (التملق)، وأنا كما يعرف الجميع لست مخرجاً درامياً أبحث عن فرصة عمل، وليس لدي نص درامي أبحث عن جهة منتجة له، ولست مديراً للإنتاج يبحث مسلسل يشتغل عليه مع مخرج أو مدير، بل أنا كاتب وصحفي أحاولُ أن تكون كتاباتي والمواد التي أنشرها طازجة وتستحق القراءة بما يليق باسمي وسمعتي.

ومن جهة السيدة ديانا جبور، كانت مديرة للتلفزيون قبل أكثر من عشرة أعوام، وهو المكان الذي أعمل فيه، ولم يحصل بيني وبينها أي تماس مهني سوى مرة واحدة عندما كُلفت بجمع عدة حلقات من حوارات جميلة أجرتها هي مع ثلاثةٍ من ُكتاب سورية مُنحوا وسام الإستحاق في يوم واحد فجمعتُ الحوارات لتعرض مكثفة في حلقة واحدة تناسب الحدث.

وفي لحظات العمل كانت حازمة بقرارتها فيما يتعلق بأعمالي الأخرى، وكنت أقبل حزمها باعتبارها تدير العمل وفق منهجها هي وعليّ أن أتعامل وفقا لهذا المنطق، الذي قد أتقاطع أو لا أتقاطع معه..

باختصار، لا تعنيني أبدا هذه الاتهامات، وعندما أكتب أتجرد من هذه الاعتبارات بدليل أن تقديري لجرأتها جاء بعد إعفائها من منصبها وليس بعد توليها المنصب الجديد الذي لا يعني تماسا مباشراً مع مهنتي .

النقطة الثانية هي أن انتقاداً سياسياً جاء من جهات أخرى (سياسية) يتساءل عن طبيعة مكونات الطروحات الجديدة الجريئة في مقالاتها التي نشرتها الأيام والتي استدعت أن أكتب عنها، وهنا يحق طرح هذا السؤال، وأحترم الرأي الذي يقابلني بنفي أن تكون المقالات الخمس المنشورة في الأيام تشكل برنامجا سياسيا لحزب ، وردي جاهز وأشرت إليه في المقال نفسه، وإذا كانت المسألة تتعلق بمفهوم البرنامج في الحزب السياسي، فهو موضوع قابل للنقاش.

وبين هذين المعطيين تبرزُ مهنةُ الصحافة كواحدة من أخطر المهن المتعلق بأمزجة الآخرين، لكن الهوية الحقيقية للصحفي ليست في تحوله إلى مايشبه (عرضحالجي) يكتب حسب الطلب، وإنما في أدائه لواجبه ضمن معطيات ميثاق الشرف المهني المعروف في أكثر بلدان العالم يضاف إليه الانتماء الوطني الذي سوف لن يغيب أبدا عن أدائنا .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى