تحليلات سياسيةسلايد

مزاعم إصابته بالنوبة القلبيّة.. ماذا جرى مع أردوغان في مُقابلة جرى قطع بثّها بعد 10 دقائق فقط؟..

يقول أحد الحُكماء، بأن كل شيء يُمكن توقّعه وحسابه والتحضير له في السياسة، إلا القدر ومشيئة الله، فتلك أمور خارجة عن سيطرة الجميع، ولا يُمكن التنبّؤ بمُفاجآتها، وهو ما حصل تماماً مع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان، وهو على بُعد قُرابة الأسبوعين من توجّه الناخبين لصناديق الاقتراع، لإعادة انتخابه رئيساً، أو هكذا يأمل.

شاءت الأقدار، أن يكون الرئيس أردوغان (67 عاماً) على الهواء مُباشرةً مع قناتيّ Kanal 7 و Ülke TV التركيّتين حينما تعرّض لوعكةٍ صحيّةٍ شاهدها المُواطن التركي بأمّ عينه، ما يعني أنه لا مجال للإنكار أو الحديث عن شائعات من قبل الحزب الحاكم، اضطرّ على إثرها (الوعكة) لقطع البث المُباشر 15 دقيقة، وهذه مُقابلة أساساً تأخّر عنها 90 دقيقة قبل بثها واستمرّت 10 دقائق فقط قبل قطعها، الأمر الذي أثار التكهّنات والجدل حول حقيقة صحّة الرئيس، وفي توقيتٍ حسّاس، وبدء العد التنازلي لموعد الانتخابات الرئاسيّة، والبرلمانيّة (14 أيّار/ مايو).

عاد الرئيس بعد قطع البث 15 دقيقة، منعاً لإثارة اللغط حول صحّته، وظُهوره بمظهر المريض أمام ناخبيه، واعتذر قائلاً بأنه أصيب بوعكة (انفلونزا المعدة)، وصارح أردوغان المُشاهدين بالقول: “تساءلت إذا ألغيت اللقاء، هل سيُفهم الأمر بشكلٍ خاطئ”، ومع هذا لم يغب عن أنصار الرئيس، وخُصومه، وجهه المُتعب، وعيناه التي تدمع.

وتمسّكت المُعارضة التركيّة بالعُرف الإنساني في مثل هذه الظروف، وتمنّى المُنافس الأبرز لأردوغان كمال كليتشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المُعارض مرشح المُعارضة التوافقي التعافي سريعاً، كما تمنّت أكثر زعماء المُعارضة خُصومةً مع الرئيس أردوغان ميرال أكشينار زعيمة حزب “الجيّد” ثاني أكبر أحزاب التحالف السداسي، أن يتعافى قريباً، والشفاء العاجل.

وتتكثّف الحملات الانتخابيّة للمُرشّحين الأربعة المُنافسين على حكم تركيا بعد نهاية عيد الفطر، ما طرح تساؤلات حول تأثير غياب أردوغان عن الحملات الانتخابيّة بفِعل المرض (كان يعقد مُؤتمرين أو ثلاثة يوميّاً)، وتوقيت استئنافه للحملات، وسط الترقّب والانتظار الشعبي لعودته كما قال وزير الصحّة التركي في أقرب وقتٍ مُمكن، حيث كان وعد أردوغان بالعودة اليوم الخميس والراحة أمس الأربعاء عبر تغريدة على حسابه في “تويتر”، وفقاً لنصيحة الأطبّاء الذين نصحوه الراحة بالمنزل، ليضطر لاحقاً عبر ما أعلنه مسؤول في حزب العدالة والتنمية إلى إلغاء أنشطته اليوم الخميس أيضاً، ومعها بالتالي جرى إلغاء لقائه مع أنصاره في العديد من المناطق وسط الأناضول.

وألغى الرئيس أردوغان الخميس نشاطاً مُهمّاً جرّاء مرضه، وهو تدشين محطّة أق قويو أوّل محطّة لإنتاج الطاقة النوويّة في البلاد، والتي تمّ إنشاؤها بالتعاون مع مجموعة “روساتوم” الروسيّة، ما فتح الباب أمام تناسل الشائعات، وصولاً لتداول أخبار إصابة الرئيس أردوغان بنوبة قلبيّة ليلة أمس على المنصّات التركيّة، دفعت الحزب الحاكم لنفيها، وعبر رئيس دائرة الاتصال بالرئاسة التركيّة فخر الدين ألطون الذي نفى المزاعم المُتعلّقة بصحّة الرئيس، مُؤكدًا في تغريدة بأنه “لا يمكن لأي قدر من المعلومات المضللة أن يشكك في حقيقة أن الشعب التركي يقف إلى جانب الرئيس أردوغان”.

ولم يظهر الرئيس أردوغان علانيةً يمشي كعادته بعد الوعكة الصحيّة التي أصابته على الهواء مُباشرة حتى كتابة هذه السطور، ولكن وزير الصحّة التركي فخر الدين قوجة، قال اليوم الخميس، إنّ الرئيس أردوغان في حالة صحية “جيدة”، وسيستأنف جدول أعماله اليومي في أقرب وقت ممكن، وذلك بعد يوم من تأجيل مشاركته في بعض التجمعات الانتخابية أمس الأربعاء.

وبالرغم أن الرئيس أردوغان ألغى مُشاركته في نشاط تدشين محطة “آق قويو” التركية للطاقة النووية بسبب المرض اليوم الخميس، بثّت وكالة الأناضول خبرًا قالت فيه أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن شكره لنظيره الروسي فلاديمير بوتين، على مساهماته في بناء محطة “آق قويو” التركية للطاقة النووية، وجاء ذلك خلال اتصال هاتفي جرى بينهما الخميس قبيل مشاركتهما عبر تقنية فيديو كونفرنس في مراسم تزويد محطة “آق قويو” بالوقود النووي بالتعاون مع روسيا، وبحسب البيان للرئاسة التركيّة أشار إلى أن أردوغان شكر بوتين على مساهماته في بناء محطة “آق قويو” بولاية مرسين التركية، والتي سيتم تزويدها اليوم بالوقود النووي لأول مرة، فيما تمنّى بوتين السلامة لأردوغان على خلفية الوعكة الصحية التي ألمت به الثلاثاء أثناء إجرائه لقاء تلفزيونيًّا مُباشرًا.

ويبدو لافتاً قول مرشح المُعارضة كمال كليتشدار أوغلو بأنه لا يوجد ثقة في وكالة الأناضول الرسميّة، ما يفتح باب التساؤلات حول أسباب عدم ثقة كليتشدار أوغلو بالوكالة المذكورة، وهي المعنيّة ببث أخبار تركيا والحزب الحاكم خصوصاً، وأخبار صحّة الرئيس بالتالي، ويُثير رئيس تركيا المُحتمل القادم كليتشدار الذي كان تطرّق إلى كونه “علوي ومُسلم” انعدام الثقة في أجهزة الدولة، خلال عمليّة الانتخابات، والهيئة العليا للانتخابات ووكالة الأناضول الرسميّة، ما يخلق شُكوكاً حول وجود مخاوف تزوير تمنع فوز المُعارضة (حال تقدّمها فعلاً من خلال الاقتراع)، وبالتالي صدام قوي لا تبتغيه البلاد إطلاقاً.

وفيما ينشغل الأتراك بصحّة الرئيس المُنتهية ولايته رجب طيب أردوغان، أظهر استطلاع ميتروبول أن 44.6% من المستجيبين سيصوتون لمرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، بينما سيحصل الرئيس التركي الحالي رجب طيب أردوغان على 42% من الأصوات.

وفي الوقت نفسه، قال الاستطلاع إن أكثر من 5% لم يتّخذوا قرارًا بشأن ما يفضّلونه بعد، و2.4% لم يعطوا إجابة، بينما قال 5.9% آخرون إنهم يميلون إلى “التصويت الاحتجاجي”، فيما بلغ هامش الخطأ حوالي 2%.

تبدو المعركة الانتخابيّة غير محسومة للطرفين تماماً، ولكن الحزب الحاكم يتحدّث عن حسم أردوغان للنتيجة بالفوز من الجولة الأولى، ويُشكّك في الاستطلاعات التي تُشير إلى تراجع شعبيّة الرئيس أردوغان نظرًا للظروف الاقتصاديّة الصّعبة في تركيا، والتضخّم (60 بالمئة)، وتراجع العملة المحليّة الليرة أمام الدولار، وفي المُقابل تخشى المُعارضة من التزوير، وتقول بأنها عملت على ضمان نزاهة الانتخابات مُنذ عام ونصف.

ويتوجّه الأتراك في الداخل، بعد أقل من شهر من الآن، إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بينما بدأ، اليوم الخميس، الناخبين في الخارج بالتصويت، والذي يعد مؤشرا مهما للنتيجة النهائية، وتستمر عملية التصويت في الخارج على مدار 24 ساعة يوميًّا حتى 9 مايو/ أيّار المُقبل، وقبل أيّام من بداية التصويت في الداخل والمُقرّر له يوم 14 مايو.

هذه ليست المرّة الأولى التي تكون صحّة الرئيس أردوغان مثار جدل ومخاوف، حيث تداولت مواقع إخباريّة محليّة خلال الأشهر الماضية مقاطع فيديو بدا فيها أردوغان يعاني من مشكلات، ما طرح التساؤلات عن صحته. وظهر إردوغان في أحد المقاطع كما لو أنه كان في حاجة إلى مساعدة زوجته خلال محاولته نزول أحد الأدراج، وظهر في وضع غير قادر على نقل خطواته، ولم يكن متزناً بشكلٍ كافٍ، ما أجبره على الاستناد إلى أحد معاونيه، بينما تمسك زوجته يده الأخرى لمعاونته على النزول. كما لفت أردوغان الأنظار في مقطع آخر، ظهر خلاله كما لو كان يواجه صعوبة في المشي في منطقة أنيت كبير، خلال مشاركته في احتفال أمام ضريح مؤسس الدولة التركية الحديثة، مصطفى كمال أتاتورك، بدت فيه خطواته ثقيلة جداً. وأثار إردوغان كذلك الانتباه خلال مشاركته في حوار عبر الفيديو، في يوليو (تموز) الماضي، بدا فيه كما لو كان فاقداً للتركيز، يواجه صعوبة في التذكر، وفي قدرته على النطق بشكل سليم، وكان يتحدث بطريقة غير مألوفة، وهو المشهور بخطابته.

وفي حال وفاة الرئيس التركي المادة (106) من الدستور التركي تقول إنه في حال وفاة الرئيس، تنتقل السلطة إلى نائبه، وهو حالياً فؤاد أقطاي، على أن تجري الانتخابات خلال 45 يوماً لانتخاب رئيس جديد.

بكُل الأحوال لا يُمكن التعويل على خسارة الرئيس أردوغان الانتخابات من خلال تقييم صحّته، وخُصومه قبل أنصاره على المنصّات يتمنّون له الشّفاء العاجل، فالفوز والانتصار السياسي كما يقولون ليس من على تلّة فراش المرض.

 

 

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى