دريد لحام لازال نجما .. زمن الكركترات الساحرة انتهى!

خاص

لم يشارك الفنان السوري دريد لحام هذا العام بأي عمل درامي، وعلى غير عادة الفنانين النجوم، فهو لايبرر انقطاعه بحجج غير مقنعة، بل يتجه تلقائيا للحديث عن نفسه كمشاهد في إطار العروض الدرامية التي شغلت المشاهدين العرب والسوريين في رمضان، ويقول إنه تابع المسلسل الفلاني، والمسلسل الفلاني، ولايخفي أن يبوح بسر مشاهدته لمسلس ((نص يوم)) ..

جاء الفنان دريد لحام مع مخاض ولادة التلفزيون العربي السوري في عام 1960، بعد أن أراد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الاحتفال بذكرى ثورة تموز /يوليو بإطلاق التلفزيون في الجمهورية العربية المتحدة، وهذا يعني إطلاقه في كل من مصر وسورية لأنهما كانا اقليمين في دولة الوحدة المذكورة.

ويقول الدكتور صباح قباتي أول مدير للتلفزيون العربي السوري في مذكراته إن تلك اللحظات الخالدة من تاريخ إطلاق التلفزيون جعلته يتذكر شابا موهوبا سبق وشاهده على مسرح الجامعة، وكان ذلك الشاب قد أصبح أستاذا لمادة الكيمياء، ومع ذلك طلب منه أن يأتي إلى التلفزيون ليشتغل على فن جديد يحمله صندوق الفرجة الذي سيدخل كل بيت .

وسريعا تجمعت الصدف الجميلة ، فاشتغل دريد لحام مع خلدون المالح ومع نهاد قلعي ومع محمود جبر، وعندما شرعوا بالخطوات الأولى، كان ثمة موظف بسيط اسمه ((غوار)) في ((الكوريدور)) ، فأخذ دريد الاسم ليضع اللبنة الأولى في مجد الكركترات الكوميدية، وانطلقت الأعمال الخالدة الأولى مع صح النوم وحمام الهنا ..

في سجل الانتاج الدرامي للفنان الكبير دريد لحام أعمال تلفزيونية وسينمائية وإذاعية ومسرحية كثيرة، وإذا كان أستاذ الكيمياء دريد لحام قد نسي ما الذي ينتج عن دمج حمض الكبريت مع الحديد، فإنه لم ينس بعد أن كركتر غوار كان القاعدة الحديدية التي حمتله إلى المجد، ثم تحولت إلى عبء يحمله على ظهره أينما حل ..

حاول الفنان دريد لحام الهروب من (( غوار الطوشة)) ، فشرع في أول المحاولات باستبدال الطربوش والشروال والقبقاب ، ليقنع الناس أن أداءه الفني هو الأساس، فقبله الناس بثوبه الجديد، ولكن بكركتر غوار، ثم تخلى عن ثنائية دريد ونهاد ، وأدخل شخصية ((أبو عنتر)) ، وشيئا فشيئا، وجدنا دريد لحام وقد ابتعد عن غوار في شخصية لم ترض الناس هي شخصية أبو الهنا ..

كان هذا عاملا مقلقا لحياته الفنية، وجرت نقاشات كثيرة وانتقادات لشخصية أبو الهنا وكان الفنان دريد لحام يدافع عنها لدرجة أنه أعلن صراحة أنها أقرب الشخصيات إلى شخصيته الحقيقية، ولم يقنع ذلك الجمهور، فإذا به يستجيب لاغراء فكرة مسلسل ((عودة غوار)) الذي كتبه أحمد السيد ولم يلق النجاح المتوقع .

يقول الفنان دريد لحام عن هذا الزمن : هذا زمن مستفز، وقد نقلت صحيفة الوطن في آخر اللقاءات معه تصريحا مهما يقول : ونحن أطفال كنا نريد أن يأتي «الغد» بسرعة ولكننا اليوم نخاف من «الغد»!

هذا اللقاء الذي نشرته الصفحات الثقافية النشطة لصحيفة الوطن يحمل اليوم وقفة مهمة مع شخصية ((ثقافية فنية)) في حياة الشهرة عند السوريين ، يقول دريد لحام : (( أنا من مواليد 1934، من حي الأمين، ولدت في بيت عربي تقيم فيه أربع عائلات، نحن وأعمامي، تأثرت بوالدي ولكنني تأثرت بوالدتي أكثر، باعتبارها كانت حاملة عبء مسؤوليات كبيرة، في وقت لا يساعد المرأة إلا يديها، فبيديها كانت تعجن وتخبز وتغسل وغيره من الأمور.. ))

لماذا يحكي دريد لحام عن تلك الأيام ؟ هل يعود ذلك إلى فجائعية الزمن الحاضر، والفقر رالمفضوح في حياة السوريين؟ يوضح ذلك بجواب مقتضب : ((في ذلك الوقت لم يكن هناك شيء اسمه استفزاز بعكس يومنا الحاضر، ففي الطريق مثلا هناك استفزاز، عندما نشاهد أستاذ جامعة بانتظار الميكروباص وباللحظة نفسها يمر طالب يقود سيارة مرسيدس، فهذا شيء مستفز، في ذلك الوقت لم يكن هناك هذا الاستفزاز، وعلى سبيل المثال كان اللبس موحدا وهو عبارة عن شروال وطربوش أو قمباز، وكانت الناس في المجتمع السوري كّلها تشبه بعضها وتعيش بالأسلوب نفسه رغم الفروقات الاقتصادية بينها والتي لم تكن واضحة للعلن، فكان مظهر الشخص عادياً وربما منزله يكون قصراً، وبالطبع لا أحد يعلم هذا، أو مثلاً لباسه عبارة عن القمباز ولكن داخل منزله تراه يرتدي بيجاما حريرية ولا أحد يعلم بهذا التفصيل، واليوم نجد سلوكاً متوجها للاهتمام « للمنظرة» أو للاهتمام بالمظاهر وهذا فيه الكثير من الاستفزاز لدرجة أنها ذهبت بعقول البعض.. ))

يحضر غوار سريعا، فعندما سألته الصحفية سوسن صيداوي عن (أذى) شخصية غوار أجاب: ((صحيح كان غوار مؤذيا، لأنه كان يسعى بمقالبه لتحقيق ذاته ومصلحته وبالرغم من أنه كان شريرا ومؤذيا كانوا يتعاطفون معه ويحبونه، ويعود السر لأن الناس تحب معادلة مهمة جداً وهي انتصار الضعيف على القوي، وكان غوار شخصاً ضعيفاً «صعلوك» وينتصر على الشخص الأقوى منه وبالتالي الناس تحب هذه المعادلة، ولهذا لم تحب مسلسل «أبو الهنا» لأنه كان مهزوما والجمهور يحب من ينتصر على الآخرين ومن لا يُهزم أمام ضعفه، وكان الناس في وقتها منتظرين «غوار» ومقررين سلفاً ما يريدون رؤيته ولم يروا ذلك الرجل الذي ينتصر على أعدائه بل كان ذلك الشخص المهزوم فتعاملوا بسلبية مع المسلسل، ولكن بعرضه الثاني تقبلّه الجمهور أكثر وحتى في وقتها قال لي مدرس جامعي «دريد… لا تزعل، الناس لا تحب أن ترى هزيمتها على الشاشة، لأنها تحب رؤية نصر ولو بالحلم».

ينتصر الكركتر الساحر اليوم ، ويظهر غوار الطوشة في زمن الحرب الطويلة الدامية وكأنه طيف جميل من الماضي، فهل سيكون هذا الطيف حلم الناس في الانتصار على الحرب ؟!

يالزمن سورية الصعب .. كم نحن بحاجة لينتصر غوار على الجولاني !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى