تحليلات سياسية

مصر وإسرائيل بعد رئاسة السيسي

سمير كرم

كانت إسرائيل تتمنى أن تدعوها مصر لحضور احتفالاتها بتنصيب المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً لجمهورية مصر. لقد وقعت في حيرة منذ تولي الجيش المصري السلطة في مصر.
أرادت إسرائيل أن تطمئن الى السيسي ـ وكذلك الى الجيش المصري ـ من خلال أميركا. ولكن موقف السيسي من أميركا أربك إسرائيل، كما أن موقف أميركا من مصر والسيسي زادها ارتباكاً، مما زاد في حيرة إسرائيل إزاء التطورات الجارية بين مصر وأميركا. ان اسرائيل تريد إجابة عن السؤال: الى أين تتجه علاقات مصر واسرائيل في فترة رئاسة المشير السيسي؟ ستعيد مصر النظر في علاقاتها بإسرائيل، وبالتالي ما اذا كانت الدول العربية الاخرى ستعيد النظر في علاقاتها بإسرائيل؟
إن العلاقات المصرية ـ الاسرائيلية من المنظور المصري علاقات جامدة وباردة. ذلك أن مصر لا تعتبر ان اسرائيل نفذت كل التزاماتها تجاه العرب خارج إطار معاهدة السلام مع مصر. وكانت هذه الالتزامات الاسرائيلية قد قطعتها اسرائيل على نفسها في عملية خداع للرئيس المصري أنور السادات الذي التزم بتوقيع المعاهدة مع اسرائيل باعتبارها تتناول رسمياً العلاقات مع مصر ولا تتناول من أي جانب العلاقات مع أي من العرب الآخرين. والحقيقة أن التزامات إسرائيل «الشفهية» لمصر وقت توقيع المعاهدة كانت تقتضي أن تسعى اسرائيل لعلاقات سوية مع باقي الدول العربية تدريجياً مهما كان بطيئاً. وكانت هذه الالتزامات التي لم تنفذها اسرائيل على الإطلاق تقضي بأن تبدأ بتقديم تنازلات جدية للفلسطينيين تكفي لإرضاء الدول العربية وتثبت لها أن إسرائيل تنفذ تعهدات قطعتها على نفسها لمصر.
أحسن الظنون الآن تذهب الى أن السيسي وقد أصبح رئيسا لمصر سيطالب اسرائيل بأن تستجيب للمطالب الفلسطينية التي تشمل الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة تفرض سيادتها على الضفة الغربية لنهر الأردن وعلى قطاع غزة وعلى القدس العربية. وبسبب هذا الموقف من المشير السيسي في دوره كرئيس لمصر، فإن دولا غربية تتوقع بل تضغط من أجل أن تبادر إسرائيل الى تلبية المطالب الفلسطينية التي لا مفر منها. ومعظم هذه الدول يتوقع من الآن أن تجد إسرائيل نفسها مضطرة لتقديم تنازلات من هذا القبيل بدلا من أن تجد مصر ذاهبة باتجاه العداء الصريح لإسرائيل.
ووسط هذه الظروف ووسط التوقعات المرتبطة بها فإن من هم على معرفة عميقة باتجاهات السياسة الإسرائيلية يتوقعون أن تجد إسرائيل نفسها مضطرة لتقديم تنازلات لمصر بدلا من أن تجد مصر مضطرة لاتخاذ مواقف مناهضة لإسرائيل. وهذا من شأنه أن يوقف تماماً أية خطوات تتهيأ دول عربية لاتخاذها إيجابيا تجاه اسرائيل.
موقف المشير السيسي من اسرائيل هو حجر الزاوية في سياسة مصر الراهنة. وبطبيعة الحال فإن محاولة فهم موقف السيسي من إسرائيل من خلال الرؤية الإسرائيلية من شأنها أن تأخذ القائم به باتجاه لا يوصل الى نتائج سليمة. ومع ذلك فإن الموقف الإسرائيلي من تطورات مصر جدير بالنظر. ولعل واحدا من أهم التعليقات الاسرائيلية التي كُتبت في هذا الصدد هو ذلك الذي كتبه افرايم كام الباحث الاسرئيلي الذي اعتبر ان «انتخاب السيسي لرئاسة مصر هو الإمكانية الفضلى بالنسبة لإسرائيل». وقال ـ بالإضافة الى هذا ـ «إن السيسي يعتبر السلام مع اسرائيل رصيدا استراتيجيا لمصر، وهو (أي السيسي) لا يشكك في أهميته وأعرب صراحة عن احترامه له. ومن خلال عمله كرئيس للمخابرات ووزير للدفاع يدرك السيسي الفوائد الكامنة في التنسيق العسكري مع اسرائيل. وكان قد أعرب عن اهتمامه بتعديل الملحق العسكري لاتفاقية السلام من أجل التفاهم مع اسرائيل كي يسمح لمصر بتعزيز سيطرتها على سيناء… ويعد النهج الذي ينتهجه السيسي بالمزيد من التفاهم والتنسيق مع اسرائيل في المجال الامني. فمن هذه الزاوية حسنا فعلت اسرائيل عندما سمحت لمصر بوضع قوات مصرية في سيناء تتعدى ما نص عليه في اتفاقية السلام. وكذلك عندما تحركت (اسرائيل) لدى الإدارة الأميركية من أجل تقليص الاحتكاكات بينها وبين الزعامة المصرية».
بالإضافة الى هذا، فإن الرئيس المصري المنتخب تلقى اتصالين هاتفيين من نظيره الاسرائيلي ورئيس وزرائه. وطبقا لما نشرته الصفحة الرسمية لحملة السيسي الانتخابية فإن السيسي أوضح «ان المرحلة الراهنة تمثل فرصة حقيقية لإيجاد مناخ ملائم لحل القضية الفلسطينية والحرص على نشر السلام في منطقة الشرق الأوسط بأكملها». وقد اعتبرت هذه التصريحات بمثابة تأكيد من السيسي بإمكانية تعديل «اتفاقية كامب ديفيد» وان مصر اذا احتاجت الى تعديل الاتفاقية فلن تعترض اسرائيل، خاصة أن نصوص الاتفاقية بها ما ينظم هذا التعديل. ان اسرائيل لا تريد بأي حال من الأحوال أن تنشأ مع مصر حالة من الصدام السياسي. وهي تبذل كل جهد ممكن لإرضاء السلطة المصرية الجديدة برئاسة المشير السيسي.
ويمكن القول بوجه عام إن إسرائيل لم تكن تجد نفسها مجبرة على تحري الحقائق بالنسبة لموقف مصر الآن كما في أي وقت مضى. ورئاسة السيسي لا تزال في بدايتها. أو يتعين أن نقول إن رئاسة السيسي استطاعت من بدايتها أن تحدد موقف اسرائيل وأن تحد من تأثيراته.
لم تكن اسرائيل في حيرة من أمرها وأمر مستقبلها كما هي الآن.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى