مطابخ البيت لا تلغي مطاعم السوق

وافق أخيرا مجلس إدارة الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع في السعودية على إصدار تراخيص للراغبين في فتح دور للعروض السينمائية بالمملكة. ومن المقرر البدء بمنح التراخيص بعد الانتهاء من إعداد اللوائح الخاصة بتنظيم العروض المرئية والمسموعة في الأماكن العامة خلال الأيام القادمة.

وقالت وزارة الثقافة والإعلام في بيان صحافي إن “الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع ستبدأ في إعداد خطوات الإجراءات التنفيذية اللازمة لافتتاح دور السينما في المملكة بصفتها الجهة المنظمة للقطاع”.

هذه بشارة خير يحملها العام الجديد لعشاق السينما في السعودية من جمهور وهواة ومحترفين وعاملين في شتى الاختصاصات السمعية والبصرية، ذلك أن من شأن هذه الخطوة أن تسهم في تطوير اقتصاد القطاع الثقافي والإعلامي ككل، وتوفر فرصا وظيفية في مجالات جديدة للسعوديين، علاوة على الأدوار التثقيفية والترفيهية التي يمكن أن تلعبها.

مجموعة أسئلة تفرض نفسها وتوجه للمرحبين بهذه الخطوة من المتحمسين إلى الفرجة السينمائية على الطريقة الكلاسيكية والتي تعني الذهاب إلى قاعات العرض العمومية في المدينة واقتناء تذكرة لمشاهدة شريط سينمائي يعرض على شاشة حائطية أمام جمهور عريض ومتنوع من الناس. وأول هذه الأسئلة تتعلق بجدوى هذه الخطوة في الوقت الذي تغلق فيه دور السينما بمدن كثيرة بالعالم العربي وتتراجع لصالح التقنيات الرقمية الحديثة، والتي بفضلها يتمكن الفرد وهو مع أسرته وفي بيته من مشاهدة أحدث الإنتاجات السينمائية في العالم وبمواصفات أصبحت غاية في الدقة والوضوح.

قاعات ما يسمى بـ”هوم سينما” تتيح حرية اختيار وقت العرض الذي يرغب فيه الشخص، حيث تفتح أبوابها من منتصف النهار حتى منتصف الليل.

لماذا هذا الحنين المزمن إلى كل ما هو قديم وشاق ومعقد في الوقت الذي توفر للمشاهد فيه وسائل الاتصال الحديثة الوقت والمال والراحة وكذلك الأمان والرفاهية؟ لماذا هذا الرفض المجاني للحداثة والاختصار والرفاهية وهي على بعد أزرار من أعيننا وأصابعنا؟ لماذا هذا الهوس بـ“القدامة” في حين أن الإنسان حداثي وتحديثي بطبعه؟ وفي المقابل يرد عشاق المشاهدة الكلاسيكية للأفلام السينمائية، بأن الفرجة وما يرافقها من احتفالية هي جزء من ذلك السحر الذي طالما رافق السينما منذ بداياتها. ويشبه أحدهم الأمر بالفرق بين تناول العشاء في مطعم بصحبة من تحب على ضوء الشموع مع موسيقى رائقة وعلى طاولة من مجموع طاولات أخرى، تتقاسم معها متعة اللحظة، وبين أن تتعشى في البيت بصفة روتينية اعتيادية لا جديد ولا مفاجآت فيها.

الإنسان مدني واجتماعي بطبعه كما قال ابن خلدون، ولا يستطيع الواحد خوض الحياة بكل تفاصيلها منفردا دون تشاركية تحتفي بالحياة وتعطي الوجود البشري عمقا جماليا.. أليست صناعة السينما في حد ذاتها حالة تشاركية من حيث تنوع وتعدد الاختصاصات في إنجاز الفيلم الواحد؟

توفر وسائل رقمية حديثة للمشاهدة الفيلمية لا يعني الاستغناء عن ارتياد قاعات السينما كثقافة مجتمعية تفسر وتدعم معنى الانتماء إلى المدينة كفضاء معرفي وثقافي. ثمة “منزلة بين المنزلتين” قد تحل مشكلة هذه الخصومة المحتدمة بين عشاق التردد على قاعات السينما ومدمني المشاهدة في البيت أو ما يمكن تسميته بين مرتادي السينما بالبدلة الرسمية أو بالبيجاما. هذه المنزلة أو الخيار الثالث يمكن تسميتها بالسوبر السينما، وهي توفّر قاعات عرض بمواصفات ترفيهية تحسسك وكأنك في بيتك، وفي المقابل تشعرك هذه القاعات بأنك في صالة عرض كلاسيكية عمومية من تلك التي نعرفها في الوجدان الشعبي والجمهوري بشكل عام.

وفي هذا الصدد قال وزير الإعلام العماني خالد النبهاني إن “هوم سينما” في العاصمة مسقط، هي أول دور سينما حول العالم تقدم قاعات خاصة لعشاق الأفلام حيث يمكن للشخص مشاهدة الفيلم مع عائلته أو أصدقائه بخصوصية تامة وبتفرد تام.

وتقدم هذه القاعات أشهى المأكولات العالمية والعربية أثناء مشاهدة الفيلم، حيث يُمكن للشخص خلال مشاهدته الفيلم أن يقوم بضغطة زر لدعوة النادل وطلب كل ما يشتهيه من مأكولات عالمية وعربية من مطعم هوم سينما الخاص.

والجدير بالذكر أن قاعات ما يسمى بـ“هوم سينما” تتيح حرية اختيار وقت العرض الذي يرغب فيه الشخص، حيث تفتح أبوابها من منتصف النهار حتى منتصف الليل. قاعات العروض السينمائية ما زالت قائمة ولن تختفي مهما كان انحسارها بدليل وجودها وتكاثرها في أكثر البلدان تقدما في التكنولوجيا الرقمية، كما أن هذه التكنولوجيا لن تتراجع أو تترك مكانها للفرجة الكلاسيكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى