فن و ثقافةكتب

“مقام السيدة” ترحل الأجساد ويبقى الأثر

 

رسائل عديدة تضمنتها رواية “مقام السيدة” للكاتب محمد صالح رجب والتي صدرت مؤخرا عن دار الأدهم بالقاهرةالرواية تتناول قصة “زينب” الصبية المليحه التي لم تتجاوز العاشرة من عمرها والتي نجت بأعجوبة من قصف إسرائيلي لمنزلهم بالسويس إبان نكسة 1967، ورغم أن القصف دمر المنزل وأودى بحياة أمها وشقيقتيها إلا أن زينب خرجت دون كسر أو خدش بعدما شكلت الكتل الخرسانية جدار حماية لها.

تلك النهاية التي خلص لها الفصل الأول من الرواية كانت بمثابة تنبيه مبكر للمتلقي لما يمكن أن نطلق عليه “كرامات” تلك الصبية، وأنها سيكون لها شأن عظيم.

هاجرت زينب برفقة والدها إلى المنصورة حيث الحاج “يوسف المنزلاوي” رفيق والدها في النضال ضد الإنجليز في 56، لكن والدها الذي ارتبط بالسويس لم يتحمل أكثر من سنة بعيدا عنها ورحل عن الدنيا وتركها وحيدة تواجه مصيرها.

لسنوات شكل الحاج يوسف المنزلاوي مظلة حماية لها لكنها تعرضت بعد رحيله للاغتصاب من ابنه الوحيد “صِديق يوسف المنزلاوي” ولم تفلح محاولات التخلص من الجنين، وتراجعت عن فكرة الانتحار، فكيف لابنة الشيخ أن تموت كافرة؟! واجهت بشجاعة “صديق”  الذي خشي من تأثير الفضيحة على مستقبله السياسي وقرر التخلص منها لكن شيئا بداخله لم يتبينه حال بينه وبين ذلك فتراجع وفكر في حلٍ آخر.

هنا تظهر كرامة أخرى من كرامات زينب بدت في تلك الحالة التي ظهر عليها صديق حين قرر التخلص منها والتي عبر عنها صديق قائلا: “حدثتني نفسي أن أتخلص منها، وبالفعل عزمت على ذلك، إلا أنني حين عاودت النظر إليها أصابتني رعشة مفاجئة ووجدتني أتراجع عن قتلها، لم يكن ذلك لخوف من انفضاح أمري، أو لضمير استيقظ فجأة من سباته وقرر أن يهبها الحياة، ولا حتى لأنني تذكرت أبي وهو يوصيني بها ويخبرني أنها يتيمة وغريبة، وإنما لشيء بداخلي لم أتبينه”.

شخصية زينب المقاومة ظهرت مبكرا في مقاومة رغبات صديق منذ أن حطت الرحال لديهم، وتجلت في حادثة الاغتصاب وحتى في رفضها الحل الذي استقر عليه صديق، لكنها في النهاية رضخت له، حين استدر عطفها وتساءل بصوت خفيض قائلا: “هل ترضين الفضيحة لبيت الحاج يوسف؟ هل هذا هو جزاء المعروف؟ الرجل آواك ورباك وعلمك، أنسيتِ فضله عليك وعلى والدك من قبل؟ دعيني أجد لك حلا.. زوج محترم، يستر عليك، وسأتكفل بكل شيء”.

استسلمت زينب للزواج من أحد أفراد حاشية صديق واعتبرت الزواج هروبا إلى مكان مجهول وزوج مجهول، لم تكن تعلم ما سيحدث لها في ذلك المكان وكيف سيلوك الناس عرضها، تعرضت زينب لأذى شديد وتحملت صابرة محتسبة حتى وصلت إلى أقصى قدرة لها على التحمل فاختفت، لكن أشياء لا تصدق بدأت تتكشف بعد اختفائها، لقد بدا وكأن لها فضلا في كل بيت، حتى أن العمدة شعر بالخجل، ومندهشا تساءل قائلا:” كيف لنا ألا نعرف بكل ذلك؟! شَعَرتُ بالخجل من نفسي”.  فتوقف الناس عن الخوض في عرضها، واجتهدوا في البحث عنها، بعد أيام عثرت الشرطة على جثة يعتقد أنها لها، فتوحدت القرية وانتفضت تطلب القصاص لزينب.

استطاعت زينب أن توحد القرية وأن تكسر الخوف الذي سكن قلوبهم، فوصل صوتهم عاليا إلى المسؤولين برفع الظلم الذي وقع على القرية، وتخليدا لها أقام الأهالي مقاما يحمل اسمها وإن اختلفوا فيما بينهم إن كان بالمقام جثة أم لا، وإن كان به جثه أهي لزينب أم ان زوجها المحامي؟ وعمدة البلد شهدا زورا أن الجثة لها من أجل ان يشيدوا ذلك المقام تخليدا لها وليتذكرها الناس ويدعون لها.

من الرسائل المهمة التي تضمنتها الرواية أن الخير سينتصر فقط حين نقاوم الشر ونحاصره وأن الأجساد ترحل وتبقى الأعمال.

يذكر أن محمد صالح رجب عضو اتحاد كتاب مصر وعضو نادي الأدب بقصر ثقافة المنصورة. صدر له العديد من المجموعات القصصية منها: أحلام ممنوعة، وَأشياء منسية، وَضد الكسر، كما صدرت له من الأعمال الروائية روايتا “المرشد” و”شالوشا”.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى