تحليلات سياسيةسلايد

“منطقة آمنة” أو ضغط من أجل انسحاب قسد؟

تحركت تركيا ميدانياً وأبلغت الفصائل الموالية لها بأنها لن تتراجع هذه المرة، ربما تقوم بعملية قضم محدودة، أما توسيع الرقعة فسيكون رهن المواقف الدولية.

بدأت القوات التركية التمشيط بالنار في الشمال السوري تمهيداً للعملية البرية بحسب المحللين العسكريين الأتراك، لكنهم أكدوا أنها ستجرى في الوقت الذي يوافق تركيا، فيما شدد إردوغان على أهمية استكمال عملية “المخلب السيف” وحدّد الهدف بتأمين الحدود الجنوبية بإنشاء”منطقة آمنة”.

على الرغم من ردود أفعال واشنطن وموسكو الرافضة للعملية التي أعلنها إردوغان، إلا أنهما اعترفا بحق تركيا في الدفاع عن نفسها، لكن، تخشى الولايات المتحدة أن تتسبب العملية باضطرابات وإعادة خلط للأوراق في سوريا، وتخشى أيضاً توقف قسد عن قتال “داعش”، وتحرص على الستاتيكو الذي أنشأته في المنطقة والقواعد التي تتوسع ووجود قرابة 900 جندي لها في شمال شرقي سوريا يعملون مع «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يقودها مقاتلون كرد من وحدات حماية الشعب.

روسيا أيضاً لا تريد رؤية احتلال تركي للأراضي السورية وإنشاء منطقة آمنة تنتشر فيها فصائل مسلحة وأخرى تعدها موسكو إرهابية، ما يؤدي إلى ضرب وحدة سوريا السياسية.

لكن الرئيس التركي يستقوي بالدعم الداخلي وموقف البرلمان، إذ تقف الأحزاب التركية جميعاً، ما عدا حزب الشعوب الديمقراطي، إلى جانبه في “حماية الأمن القومي”.

هل يمكن أن توافق روسيا وأميركا على العملية البرية؟

تحاول تركيا استثمار دورها كوسيط في الحرب الروسية الأوكرانية بعد أن أكد الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ أهمية الدور الذي أدته، وهو شكر لإردوغان إنجاحه اتفاقية الحبوب الأوكرانية واتفاقيات تبادل الأسرى.

أدى دور الوساطة إلى عقد رؤساء الاستخبارات الأميركية والروسية محادثات حول استخدام الأسلحة النووية في مقر الاستخبارات التركية في أنقرة.

يرى الرئيس التركي أن الغرب وروسيا يمكن أن يتفّها رغبته في الحفاظ على أمن البلاد، ويعتقد أن رد فعل الولايات المتحدة والحلف الأطلسي لن يكون عنيفاً في حال نفذت تركيا العملية البرية، ما يتيح لها فرصة الحصول على المنطقة الآمنة التي لطالما طالبت بها. فحلف الناتو بحاجة إلى الموافقة التركية على عضوية السويد وفنلندا، بعدما رحبت أنقرة بخطوة التعديل الدستوري السويدي في مجال مكافحة الإرهاب.

ومع ذلك، لا ترى أنقرة نتائج ملموسة، ولا تحقيقاً لمطالبتها بتسليم مطلوبين من جماعة غولن ومن حزب العمال الكردستاني، وما زالت الأمور غير واضحة لها.

الولايات المتحدة تخشى وقوع عملية عسكرية برية تسبب الفوضى وخروج آلاف الدواعش من سجون الوحدات، فالقاعدة العسكرية الأميركية في كوباني التي تضم ​​وفودًا دبلوماسية أميركية تقع بجوار القاعدة التابعة لقسد التي تلقت ضربة من جراء القصف التركي، ما استدعى اتصالاً من الجنرال الأميركي مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة بنظيره التركي ياشار جولر لمناقشة التطورات، إذ جاءت التعليقات الأميركية علنية وحادة في تنديدها بالعمليات الجوية التركية ضد المسلّحين الكرد في شمالي سوريا.

روسيا من جهتها، تفضل عدم انغماس تركيا في الحروب وتريد منها أن تبقى جسراً سياسياً وتجارياً مع الغرب ونقطة كسر للعقوبات الأميركية والأوروبية، وتريد الحفاظ على العلاقة التي تطورت في الحرب الروسية الأوكرانية والتعاون في منطقة القوقاز، في وقت أدّت العلاقة الشخصية التي تربط بوتين وإردوغان إلى دفع العلاقات السياسية والاقتصادية قدماً من أجل الاستفادة المتبادلة.

يريد بوتين من إردوغان مصالحة الرئيس السوري بشار الأسد في أقرب وقت ممكن، ويرى أن التقارب يمكن أن يساعد على بدء الحل في سوريا، وتؤكد أنقرة أن العلاقة بسوريا ضرورية للتعاون وإيجاد حل لمشكلة اللاجئين السوريين، وأنها وحدها، ومن دون مساعدة سوريا، لا تستطيع استيعاب العدد الكبير من النازحين في المنطقة الآمنة، إذ يقارب عدد اللاجئين في تركيا 4 ملايين، فضلاً عن أكثر من مليونين ونصف مليون في إدلب والمناطق المحيطة، وهي ترى حاجة إلى حلول عملية لإعادة بعض النازحين إلى مناطقهم في دمشق والغوطة وحولها حتى تتمكن من إبعاد ضغوط المعارضة قبل انتخابات عام 2023.

أتت تصريحات إردوغان الأخيرة بخصوص سلام محتمل مع الأسد، قبل الانتخابات، لتصب في مصلحة الدعوة الروسية التي ترى أن الوقت قد حان لبحث الأمور العملية، إذ الأمر حيوي والبلدان جاران.

أما إيران فتؤكد أهمية تنسيق أي عملية عسكرية تركية مع دمشق والتعاون معها في هدا المجال. كلام رئيس الحركة القومية حليف إردوغان، عن ضرورة بدء محادثات ثنائية مع حكومة الأسد لتشكيل جبهة مشتركة ضد المنظمات الإرهابية، يصب في إطار فهم روسيا وإيران لأي عملية عسكرية.

هل ينجح إردوغان في الضغط على الأميركي وإبعاد قسد؟

تحركت تركيا ميدانياً وأبلغت الفصائل الموالية لها بأنها لن تتراجع هذه المرة، ربما تقوم بعملية قضم محدودة في البدء لبلدات وقرى على حدود التماس في الحسكة ومحيط عين العرب وتل رفعت في ريف حلب وفي ريف الرقة الشمالي، أما توسيع الرقعة فسيكون رهن المواقف الدولية.

في هدا الإطار، سيبقى القصف مستمراً على مراكز قسد، ما يؤدي إلى إزعاج الأميركي ويدفعه إلى إجبار قسد على الانسحاب من المناطق التي تعد هدفاً للعمليات، فهل يمكن أن توافق؟

ستقوم قسد بالضغط أيضاً على الأميركيين أو تهدد بتعليق مشاركتها في ملاحقة خلايا “داعش” لمنع الغاية من العملية الجوية التركية. قسد تضع رجلاً لدى الأميركي والأخرى لدى روسيا والنظام، وتصر على مشروعها السياسي والإداري بعد أن فشلت المفاوضات بسبب رفضها أي اقتراح يغاير مشروعها في الحكم الذاتي، وهي تطالب موسكو باتّخاذ موقف مستنكر للاعتداءات التركية وتفعيل غرفة العمليات المشتركة مع الجيشين السوري والروسي لتجنب خسارة المناطق التي تخضع للقصف مثل كوباني ومنبج التي تخضع للسيطرة الروسية، إلا أن لافرنتيف طالب القوات الكردية بإظهار الحكمة تجاه ضرورة التعامل مع الحكومة السورية وحسم أمرها، فهل ما يجري يندرج في خانة الضغوط على الأميركي وقسد أم سنشهد عملية برية في الأسابيع المقبلة؟

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى