“بيت الديناصورات” في لندن يروي قصة الأرض

كاتدرائية الطبيعة، أحد معابد التطور الدارويني، المكان الذي يحكي قصة الأرض وتاريخ الكون. مسميات كثيرة، ارتبطت بالمبنى المعماري الأنيق الذي يمثله متحف التاريخ الطبيعي الذي يقع في منطقة ساوث كينزنغتون في لندن، لكن التسمية الأكثر شعبية، وهي من دون شك اختراع الأطفال من محبي المغامرات، هي بيت الديناصورات؛ البيت الذي يضم بين جنباته تاريخا مكثفا من الأساطير المستندة إلى حقائق تتحدث عن الفترات الزمنية التي عاشتها الديناصورات، وأنواعها وأسباب انقراضها.

مع ذلك، يمثل المتحف محاولة للإجابة عن التساؤلات الخاصة بالطبيعة، فهو موطن لمجموعة هائلة من العينات العلمية للحياة وعلوم الأرض تمتدّ من فترة ما قبل التاريخ إلى يومنا هذا، حيث تجتمع فيه نحو 80 مليون عيّنة وقطعة مختلفة تعود إلى حيوانات ونباتات وحشرات وكائنات منقرضة، بل وحتى معادن ونماذج لصخور من عصور جيولوجية مختلفة، تجتمع كلها لتروي قصة الأرض.

المتحف كالكتاب يحوي بين جنباته معارف وأفكارا تفيد الزائر العادي والمختص، وهو أيضا أكثر متعة للبصر خاصة للأطفال حيث يدغدغ خيالهم لاكتشاف أسرار ما يشاهدونه من تحف والبحث فيها.

افتتح المتحف عام 1881، وهو مبنى من الطراز الفيكتوري صممه المهندس المعماري ألفريد واترهاوس. ويعتبر عالم الأحياء القديمة والمتحجرات الإنكليزي، ريتشارد أوين مؤسسا للمتحف، والقوة المحركة لإنشائه، حيث كانت المتاحف قبل هذا التاريخ وقفا على علية القوم ومصممة لاستخدام وتثقيف النخبة، بينما كانت خطة أوين الترحيب بالجميع، وهو أول من اقترح وضع لافتات وملصقات تحتوي على معلومات في كل مادة معروضة.

عمل أوين كأول مدير للمتحف، وكانت له مساهمات كبيرة في علم التشريح المقارن وعلم الأحافير في القرن التاسع عشر، كذلك يعزى إليه ابتكار مصطلح “ديناصور”.

شهد المتحف تغييرات كبيرة على مدى عقود، وذلك بإضافة قطع جديدة وإزاحة قطع أخرى أو استبدالها، وكان تمثال أوين الذي وضع على قمة السلم عند المدخل الرئيسي لعقود عدة، قد نقل لسبب ما إلى إحدى الشرفات المجاورة، بعد أن حل محله تمثال تشارلز داروين.

حدث هذا، بعد افتتاح مركز داروين، ووصف المتحف آنذاك بأنه “أحد المعابد الكبيرة للتطور الدارويني”، إذ أن العينات التي كانت مخبأة سابقا في خزائن مغبرة تمّ إحضارها إلى دائرة الضوء في المركز الذي شغل مساحة كبيرة من المتحف.

يشتهر المتحف، الذي يعدّ مركزا عالميا للبحث العلمي، ومرجعا في مجال علم التصنيف وحفظ سجلات التاريخ البيولوجي، بعرضه لهياكل الديناصورات بأحجام وأنواع مختلفة كان أوين أول من استخدم كلمة “ديناصور” لوصف فصيلة لم تكن معروفة من الحيوانات. وعرّف خصائصها بناء على بقايا متحجرة لثلاث منها، حيث اكتشفت ضمن صخور كلسية في جنوب إنكلترا.

وحتى أوائل العام 2017، كان يهيمن على القاعة الرئيسية هيكل ضخم لأحد الديناصورات المنقرضة والمعروف باسم “ديبلودوكاس” أو “ديبي“. وفي الآونة الأخيرة تم استبداله بهيكل آخر، لحوت أزرق مهيب معلق في سقف القاعة بطول يتجاوز الـ 25 مترا تشكل الهياكل العظمية للديناصورات المعروضة في المتاحف حول العالم، معالم جذب سياحية مهمة، إذ أنها ارتبطت دوما بالأساطير أو الحقائق التي تضع على جسدها وشاحا من أساطير.

وعرفت شعوب مختلفة عظام الديناصورات، لكن ماهيّتها وطبيعتها لم تكن معلومة بعد، ويؤكد أحد المتخصصين على أن “تصوراتنا عن الديناصورات الآن، مختلفة تماما عن تلك التي طرحها أوائل علماء الحفريات”.

بيد أن الفترات الزمنية المختلفة التي عاشتها الديناصورات، أفرزت بعض الحقائق التي تتعلق بأسباب انقراضها، كما أطلعتنا على بعض ما جاد به العلم حول حياة المخلوقات في مختلف العصور الجيولوجية القديمة.

يعرض المتحف مثلا الحفرية الأولى التي تم العثور عليها من حيوان “التيرانوسور” ويعدّ واحدا من أكبر آكلي اللحوم التي وجدت على الأرض، أما ديناصور “ستيجوسورس” وهو من الديناصورات الضخمة آكلة النباتات، فقد عاش خلال العصر الجوراسي.

اندثرت الديناصورات بشكل مفاجئ منذ حوالي 65 مليون سنة، ومعها اختفت مجموعات أخرى عديدة من الحيوانات وتعرف الكارثة بـ “حدث انقراض العصر الطباشيري – الثلاثي أما أبرز النظريات التي تفسر ذلك، فتتحدث عن “اصطدام”؛ إذ أن نيزكا ضخما ضرب الأرض في تلك الفترة الموغلة في القدم، وفتك بكثير من أشكال الحياة فيها، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث إن حدث التصادم قد ولّد في المنطقة التي شهدها طاقة يفوق مفعولها مجموعة من قنابل ذرية، وربما أثار حينذاك غيوما هائلة من غبار حجبت وجه الشمس وحرارتها مدة تزيد على سنة، فدخلت الأرض نتيجة لذلك في “شتاء ذري” مفاجئ مع نتائج كارثية انعكست على الكائنات التي عاشت عليها، حيث انقرض الكثير من الديناصورات العاشبة بعد أن فقدت مصدر غذائها، ثم لحقتها اللواحم.

وهناك آراء تجمع بين حدث التصادم والحتمية، حيث يوجد دليل على أن بعض أنواع الديناصورات كانت قد ماتت قبل أن يضرب النيزك الأرض بوقت قصير، أي أن انقراضها كان حتميا. أما النظرية الأكثر غرابة، فترى أن الطيور هي امتداد للديناصورات، كما أن الزواحف والتماسيح هي الأخرى أقرب أنسباء الديناصورات في العصر الحالي في الحقيقة، هناك بالفعل ديناصورات طائرة إذ أن عددا كبيرا من الديناصورات كانت مريشة، كما يعتقد بأن الأنواع الأخرى والكبيرة الحجم هي التي انقرضت، أما الطائرة فقد بقيت وهي تلك الموجودة حولنا.

عمر المتحف الطويل جعل العديد من عيناته ذات أهمية تاريخية وعلمية كبيرة، إذ تحوي صالاته وأقسامه كل ما يتعلق بالحيوانات والنباتات وتاريخ علوم التطور، إضافة إلى عرض الأحجار الكريمة في وضعها الخام قبل صقلها ورؤيتها بعد الصقل، إضافة إلى عينات من الأحافير والمعادن والصخور، يمكن لمس معظمها.

ومن بين كنوز المتحف، الهيكل العظمي لطائر الدودو وهو مكوّن من عظام يبلغ عمرها حوالي الألف سنة، وكان أول طائر ينسب انقراضه إلى العامل البشري، كما تعود شهرته إلى كتاب أليس في بلاد العجائب.

هناك أيضا لوحة ريتشارد أوين الرجل الذي أنشأ المتحف ورسمت اللوحة من قبل وليام هولمن وهو من أبرز فناني القرن التاسع عشر كما يعرض نيزك وولد كوتيج، وهو أول نيزك موجود سقط على الأرض في بريطانيا، ما أكد ظاهرة سقوط النيازك من الفضاء، ويعتقد أنه تشكل خلال ميلاد المجموعة الشمسية 4.6 مليون سنة. وشوهد وهو يسقط في وولك كوتيج في منطقة يوركشاير البريطانية سنة 1795.

ميدل إيست أون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى