«تماثيل ميادين مصر» بلا ترميم… أفضل حالاً

«تشويه» التماثيل التي تزيّن ميادين مصر، والمنحوتة بعناية لشخصيات بارزة في مجالات مختلفة، بات «ظاهرة» بكل ما تعنيه الكلمة، إذ تكرر استهداف تماثيل قيّمة لقامات مرموقة في ميادين مهمة، بـ «آلة القبح» التي تطمس معالم هذه التماثيل، باسم «الترميم»، حتى يتحوّل التمثال إلى مجرد منحوتة قبيحة لإنسان لا تظهر ملامحه، وغالباً ما تُصبح أبعد ما يكون عن شخصية صاحب التمثال.

بدأت تلك الظاهرة منذ أكثر من عامين، حين أراد مسؤولو أحياء تزيين ميادينها. لكنهم، كما المثل المصري الدارج، «جُم يكحلوها عَموها» (أرادوا تزيين العين بالكحل، فأصابوا الفتاة بالعمى). وسُجلت وقائع عدة لطلاء تماثيل منحوتة بمواد مثل «الدوكو» أو معجون طلاء رديء يطمس معالمها، ويُحوّل العمل الفني من تمثال إلى قطعة حجرية قبيحة، في خطوة يُطلق عليها منفذوها عملية «ترميم»، لكن ما هي إلا «تحطيم».

مثلاً، تمثال سيدة الغناء العربي «أم كلثوم» في ميدانها الشهير في حي الزمالك، والذي نحته الفنان طارق الكومي، وبات معلماً من معالم أحد أرقى أحياء القاهرة، عفرته الأتربة، فاحتاج عملية ترميم يُفترض أن يُتقنها أحفاد الفراعنة الخالدة تماثيلهم بتعاقب الأزمنة. لكن مسؤولي الحي اعتبروا أن طلاءه بـ «الدوكو» كفيل بمحو آثار الزمن، فتحوّل إلى تمثال لسيدة، لكنها قطعاً ليست «سيدة الغناء العربي».

وفي أسوان (جنوب مصر)، تعرّض تمثال لرأس عباس العقاد، نحته فاروق إبراهيم وتظهر فيه قيمة العقاد وقامته، للكسر بعد تنفيذ قرار بنقله الى ميدان أكبر لتزيينه، فاستوجب ترميماً أحال التمثال الى دمية مزخرفة بألوان غير متناسقة، أفقدته أي قيمة فنية.

التشويه ذاته طاول تمثال الزعيم أحمد عرابي في محافظة الشرقية، وهو تمثال مصنوع من الغرانيت الصلب، لكنه تحوّل لوحة يرسمها طفل في مهد تعلمه، يفرح بالألوان ويريد استخدام المزيد منها، فشوّه التمثال بألوان عدة، وتم طلاء عُرابي نفسه وحتى وجهه باللون الأخضر. ولما أصابت التشققات تمثال رائد نهضة التعليم في مصر محمد رفاعي الطهطاوي، القابع في محافظة سوهاج في الصعيد، قرر مسؤولو الوحدة المحلية معالجته، فحوّلوه إلى شخص آخر ما زالت هويته مجهولة.

تمثال الخديوي إسماعيل عند مدخل كورنيش الإسماعيلية المطل على قناة السويس، ناله أيضاً تشويه فج بعد طلائه باللونين الأسود والأبيض، حتى أن معالم وجهه توارت خلف مادة طلاء سوداء رديئة.

آخر عمليات التشويه التي يظنها المسؤولون ترميماً، طاولت تمثال «الفلاحة» للفنان الراحل فتحي محمود، في شارع الهرم في حي الجيزة، والذي طُلي باللون الأبيض مع تزيين سمته الفرعوني باللونين الأزرق والذهبي، ليتحوّل إلى مسخ، لا يمكن معه تصور أن هذا الشارع ينتهي بواحد من أعظم التماثيل المنحوتة على وجه الأرض، حيث يقبع «أبو الهول» شاهداً على حضارة خلّدتها التماثيل.

تلك الظاهرة استدعت تدخلاً حكومياً على أعلى مستوى، إذ أصدر رئيس الوزراء السابق شريف إسماعيل قراراً يُلزم المحليات الاستعانة بخبراء من وزارة الثقافة في عمليات ترميم التماثيل التي تزين الميادين. لكن هذا القرار لم يُطبق في كل تلك الوقائع، حتى أن وزيرة الثقافة إيناس عبدالدايم ناشدت مراراً مسؤولي الأحياء التزام القرار، مع كل تدخل للوزارة لمحو الأثر السيئ الذي تتركه الأحياء على التماثيل المُشوهة.

وقال رئيس قطاع الفنون التشكيلية خالد سرور في تصريحات أمس، إن القطاع غير مسؤول عن التشويه الذي طاول تمثال «الفلاحة»، مستغرباً تجاهل قرار رئيس الوزراء. ووصف ما حدث للتمثال بأنه «مصيبة».

صحيفة الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى