أنسام صيفيةكتاب الموقع

من أنت (2) ؟

حين وضعت لنفسي هذا العنوان : من انت ؟ كنت افكر في الإجابة لكثيرين طالما سألوني عن حياتي ، أن أروي لهم بعضاً من ذكرياتي عن مراحل هذه الحياة فإذا بي فيما صنعته من الخاطرة السابقة أغرق في التفاصيل عما سئلت عنه … لا… ليس هذا ممكناً في خواطر محدودة وإنما نحتاج في الإجابة كمذكرات إلى تأليف كتاب ضخم لا لخاطرتين أو ثلاث و لهذا السبب وجدتني ملزماً في الإختصار أو في الغوص في بحر عميق فسيح لا نهاية له.

من أنت ؟.. لا … سأجيب إذن في هذه الخاطرة عما أكون أو كنت سأكون ..أريد فقط إذن الآن أن أتحرر من هذا المفهوم كي أجيب عن السؤال المطروح في العنوان كمن يواجه مسألة فلسفية هدفها فقط الإجابة عن سؤال أساسي واحد هو : ما هي العوامل التي تصنع شخصية الإنسان الوراثة أم الإجتهاد الذاتي ، أم التأمل الفلسفي أو الفني الشاعري ؟

لماذا أنا مختلف جدًا عن إخوتي كلهم ذكوراً و إناثاً…

لماذا أنا وحدي عشت الإيقاع في التعبير اللغوي عن افكاري و مشاعري منذ طفولتي و أنا بعد في الثانية عشرة تقريباً عشقت الموسيقا كما كانت تقول لي أمي منذ الرابعة أو الخامسة حين كنت أتوقف عن الإتيان بأية حركة سوى الجمود على وضع واحد والإستغراق الكلي في الإصغاء لأسطوانة في أغنية ما أو في مقطوعة موسيقية ….

و حين ترقص إمرأة في حفل بسيط في دارنا وانا في الخامسة تقريباً اصر على ان تسمح لي أمي بتقليد تلك المراة امام ضيوفها من النسوة أو القيام بحركات أخرى. و في المدرسة و أنا تلميذ صغير في الصفوف الإبتدائية لا أستجيب لدرس ما في أية مادة إلا إذا اقترنت بتجربة ذاتية من المعلم، فأخيب في معظم المواد إلا مادة التعبير اللغوي أو الإنشاء كما كانوا يسمونها إذ سرعان ما صرت أمهر تلميذ في الصف في التعبير اللغوي المناسب للموضوع المطروح فأنال أعلى علامة بينما أنا مقصر في المواد الأخرى و لا أنال إلا علامات ضعيفة … في الإنشاء فقط كنت أنال أفضل علامة و في الموضوعات الأخرى علامات سيئة  وخاصة في الحساب و الرياضيات ..

كنت مهووساً في قراءة الصحف حتى المرمية في الشارع جانباً ، و أصرف معظم ” خرجيتي” المالية من الوالد في شراء أو إستعارة القصص والروايات الملائمة لعمري آنذاك بدلاً من شراء الأطعمة، و حين بلغت سن الرشد تقريباً صرت من عشاق التلصص على الخادمات وهن يغتسلن عاريات تقريباٍ أو نائمات في وضع يكشف عن ساق عارية فأقف أمامها طويلا في الليل و أحاول ملامستها بكفي إلى أن ضبطتني أمي في الليل فصارت تراقبني و تأمر الخادمة الصغيرة في النوم في غرفة أمي ..ولكنني صرت أخترع الألعاب التي تدعو إلى الإختباء مدة معينة للمشاركين في اللعبة التي يطالب أحدنا فيها بالبحث عن الأخرين فألجأ دوماً إلى الإختباء مع فتاة من عمري تقريباً في مكان واحد لا لشيء سوى أن أعانقها و أقبلها و تقبلني أو تنفر مني …. و هكذا..

كنت في المدرسة شاعراً صغيراً ومؤلفاً لمواضيع الإنشاء ومشاركاً حماسياً في الأغنيات الجماعية ولا أتقن إطلاقا موضوعات الرياضيات في كل مراحلها …

و الآن .. من أنا في هذا العمر من  الشيخوخة التي بلغت التسعين ؟ أكاد أقول إنني أتصرف في بعض أعمالي كما كنت أتصرف و أنا طفل حتى الآن … و لكن هيهات !.

من أنا إذن ؟ أنا لا أشبه أبي ولا أمي ولا أي من إخوتي … شكراً على إصغائكم و صبركم علي!…

 

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى