شرفات

من اخترع رغيف الخبز؟!

كثيراً ما سألتُ نفسي هذا السؤال، فاختراع رغيف الخبز لا يمكن أن يتم عن طريق الصدفة كما حصل مع نيوتن عندما اكتشف قانون الجاذبية، فالرغيف يحتاج إلى زراعة القمح أو الشعير أو الذرة، ثم إلى الحصاد ، ثم إلى الطحن، ثم إلى العجن، ثم إلى الخبز في الفرن !

ولأن هذا السؤال شغلني كثيراً، لم يخطر ببالي أن تطور ظهور الرغيف الحالي قد استهلك من عمر البشرية نحو عشرين ألف سنة. وأنّ أولَ رغيفٍ قُدّم للبشرية هو من إنسان زار منطقة سومر حاملاً الإختراع الأبدي لطعامنا.

كنتُ أرقبُ أفرانَ دمشق وأنا طفل صغير، فأتفرج على آلية صناعة خبز المرقد، وأدقق في صناعة خبز (المشروح) الأشهر في سورية، وعندما كانت عمتي تفتح تنور الضيعة، وتتوافد النسوة عليها وهن يحملن أوعية العجين لخبزها في التنور كنت أندفع بحماسة نحو التنور، وأنا أشاهد عمتي تضع قطع العجين بعد مدّها على وسادة مدورة، وأرقب حركتها، وتطور نضج الرغيف تحت وهج الجمر في التنور، وانتظر بلهفة أن تعطيني رغيفاً ساخناَ .

ظل السؤال يراودني، وظلت دهشتي كبيرة من هذا الاختراع العجيب الذي أطلقت عليه البشرية اسم الرغيف إلى أن وصلنا إلى عصر (الربطة) و(البطاقة الذكية) وأرتال الدور الطويلة للحصول على مخصصاتنا !

وعندما كنتُ أسافرُ خارج الشام ، كنت أدقق في طعم أرغفة العالم من حولنا، فصناعة الخبز في العالم متطورة، وأقارن طعمها بطعم خبزنا، وأحكي مع نفسي عن السندويش الذي ما كان ليكون لولا وجود الرغيف ، وعن اللقمة التي ما كانت أيادينا لتحملها لولا وجود الرغيف . وسأقول لكم صراحة إن خبز العالم لايعجبني، وبلغة السوق فإن كل أنواع الخبز لاتضاهي خبز التنور في ضيعتنا، فهو خبز طيب المذاق، يفتح الشهية، ويمكن لليد أن تستخدمه بطواعية في تناول الطعام !

لماذا أعيد طرح هذا السؤال اليوم ؟

الجواب في القصة التي حصلت معي قبل أيام، فقد حملت ثلاث ربطات من الخبز، واتجهت إلى البيت، وما أن مشيت حتى شاهدتني زميلة في العمل، فطلبت مني رغيفاً، وهي تقول : اشتهيت رغيف الخبز وأنت تحمل خبزك بهذه الأناقة.  أعطيتها رغيفاً، فشكرتني، وما أن مشيت في الطريق ، حتى وجدت سيدة أنيقة تقترب مني وتقول:

ــ منذ يومين لم أحصل على خبز، وأتناول الطعام دون أن أشعر بالشبع، أعطني رغيفين إذا كنت لا تمانع، وافقت وأعطيتها ثلاثة أرغفة، وعند باب البيت رأيت عامل التنظيفات ينظر إلى ماتبقى من الخبز بيدي بإعجاب، فهل صحيح أن بإمكاننا أن نحمل الخبز دون أن نخاف عليه !

ناديته وأعطيته ربطة كاملة ، فأخذها وهو يدعو لي ..

هذا ما دفعني إلى السؤال عمن اخترع رغيف الخبز ،  ولذلك قررت أن أكتب عن الرغيف، ولكي أكون صادقاً مع نفسي سأبوح لكم بسر فكثيراً ما اشتهيت الخبز في أيادي الناس الخارجين من الأفران، لكني لم أكن أتجرأ لأطلب رغيفا لي ، وهذه المرة قررت أن أتجرأ وأطب رغيفا عندما أشتهي، قبل أن تتغير الأخلاق ، ويعتذر الناس عن تقديم هذا الرغيف الطيب لعابر سبيل جائع ، فمن يعطيني رغيفاً من حصته إذا اشتهيت!

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى