من الرمادي إلى تدمر: عارنا يتقدم

ما هذا الذي يحدث في العراق وسوريا؟

فمع أن الحملة الجوية التي يقوم بها التحالف الدولي والعربي ضد الارهاب مستمرة فإن تنظيم داعش وهو الهدف الرئيس لتلك الحملة صار يحقق الانتصار تلو الآخر، باسطاً نفوذه على مدن ومناطق لم تكن تقع ضمن خارطة دولة الخلافة من قبل.

يُقال إن نصف مساحة سوريا صار تحت سيطرته. فإذا أضفنا إلى ذلك النصف ثلث مساحة العراق يمكننا التحقق من أن وهم الدولة يمكن أن يقود إلى قيام دولة الوهم. وهي الدولة التي ترعاها قوى خفية وهناك الآلاف من الشباب العرب قد ثُقفوا ليكونوا مادة تلك الدولة التي تحرك ماكنتها التدميرية.

كان سقوط الرمادي وهي كبرى مدن الغرب العراقي مدوياً، وبالأخص أنه وقع بعد فرار القوات العراقية قبل أن تقع المعركة، غير أن سقوط تدمر بكل ما تحمله تلك المدينة من معانٍ حضارية حدث بعد معارك شرسة، وهو ما يعني أن قوة التنظيم الارهابي لا تكمن في شائعات الرعب التي تسبقه حسب بل وأيضا في ما يمتلكه أفراده من مهارة ودربة وتفانٍ في القتال.

كانت الادارة الاميركية قد سربت في بدء الحملة العسكرية الجوية معلومة تفيد بأن الحرب على الارهاب قد تستغرق عقودا من الزمن. لم يلتفت أحد إلى تلك المعلومة، بل أن البعض اعتبرها نوعاً من الابتزاز. فما داعش إلا عصابة تتألف من قطاع الطرق واللصوص والباحثين عن المغامرة والمضلَلين الذين سرعان ما تفرقهم الحمم القادمة من السماء.

ولكن الوقائع أثبتت أن ذلك الرأي ليس صحيحاً.

قد يكون داعش في بداياته أشبه بشركة أمنية غير أنه اليوم لم يعد كذلك.

إنه يبسط نفوذه على مساحة هائلة من الأرض وهناك شعب يتعاون جزء كبير معه، عن قناعة أو مجبرا، غير أن ما يفعله النظامان السوري والعراقي انما يصب في مصلحته ويزيد من أعداد الملتفين من حوله.

لن يلوم أحد النظام السوري في تخبطه، ذلك لأن الحرب الذي يخوضها منذ أربع سنوات قد أفقدته القدرة على اتخاذ القرارات الصائبة، اما نظام بغداد فقد كان مصمماً ومنذ أكثر من ثماني سنوات على أن يزود تنظيمات الارهاب بأعز ما يملك العراق من شباب، من خلال تهميشهم وعزلهم ودفعهم الى المحجر الطائفي.

كان طائفيو بغداد يأملون في أن تكون الحرب الأهلية حلا يمهد للتقسيم، فتكون محافظات الجنوب وبغداد من حصتهم، وبذلك يكون لهم الفوز.

لم يكن يخطر في بالهم أن الحرب التي انتظروها بلهفة ستكون مع تنظيم مسلح وليس مع الاهالي المدنيين من السنة.

ومع ذلك فقد كان خيار اللجوء إلى ايران جاهزاً. وهو خيار صعب ومقلق. ذلك لأنه يدخل في اطار لعبة دولية قد لا تكون ايران مستعدة للدخول إليها من غير ضمانات مسبقة. فكما هو معروف فإن الولايات المتحدة كانت قد استبعدت ايران من المساهمة في الحملة الجوية ضد داعش، غير أنها غضت النظر عن مساهمتها برا من خلال الخبراء والميليشيات العراقية التي تدين لها بالولاء.

غير أن الامور تغيرت فجأة بعد الاتفاق النووي.

فهل أدارت ايران ظهرها مؤقتاً لصنائعها في بغداد بعد حملة تحرير تكريت وما رافقها من فضائح كشفت عن حقد مبرمج وهمجية سافرة أم أنها كانت مجبرة على سحب يدها من الملف العراقي بموجب بنود سرية تضمنها الاتفاق النووي؟

لقد أهدر العراقيون زمنا طويلا في ما لا ينفع، فظلوا يراوحون في مكانهم من غير أن يهتموا بطوير قوتهم الذاتية فيما كان تنظيم داعش يطور قوته، مستفيدا من كسل واهمال وابتذال وضعة ارادة الآخرين.

وإذا ما كان تنظيم داعش سيُهزم يوما ما فإن هزيمته لن تكون عنوانا لانتصار طائفي. سيكون الطائفيون يومها في وضع مخزٍ لن يمكنهم من رفع رؤوسهم.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى