نوافذ

نتفرج كالعادة

نتفرج كالعادة

“هذا النص مكتوب قبل حرب أمريكا لاحتلال العراق بأربعة أشهر”.

العربي العادي يتفرج على “يوم قيامة” عالمي، تصنع مشاهده يومياً دولة يقودها مجموعة من الحمقى بثقة الأنبياء، ورسالتهم موجهة إلى كافة الاتجاهات: “نحن من يقود العالم إلى مصير أفضل!”

مئات الملايين ضد الحرب. بدأت رائحة البارود تخرج من السبطانات والقنابل. وكل يوم يقول جنرال أمريكي عكس زميله ويصحح آخر ما بدأه رئيسه… في فوضى من التصريحات التي أعمت المواطن العالمي: مرة يقولون سنحتل آبار النفط ونحميها. ومرة سنزيل النظام العراقي ونغادر… ومرة ثالثة سنبقى في المنطقة لننفذ طلبات حكامها.

لكن المحصلة واضحة: سنقتحم المنطقة هذه المرة ولن نخرج منها أبداً.  ليبلّط المحتجون الملايين حناجرهم!!

ثمة دروس: أمريكا في اليابان منذ 48 سنة. في كوريا منذ نصف قرن. في ألمانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. في المكسيك منذ مائة عام وإلى الأبد. في الخليج 17 سنة حتى الآن.

لا يتوهمن أحد أن أمريكا بعد احتلال العراق وإسقاط النظام ستخرج من المنطقة. فالنفط (من هنا حتى خمسين عاماً) يجب أن يكون تحت السيطرة، من الاستخراج إلى الشحن إلى التسعيرة. وبهذا القرار الكبير، وهو قرار مؤكد، يستطيع وزير دفاع أن يصرّح، بالحذاء العسكري المتغطرس، أن أوروبا القديمة ماتت. معلقاً على الموقف الفرنسي والألماني المتحفظ على الحرب. وبهذا القرار يستطيع وزير خارجية (فقط) أن يحتقر الأمم المتحدة لأن الذهاب إلى الحرب ممكن دون قرارها. ونفهم أكثر من اللغة البدائية للرئيس بوش أن مصير منطقة الشرق الأوسط قد تقرر. وعلى الجميع الاهتمام بمصائرهم وليس… بحصصهم!!

العربي العادي يتفرج على الخائفين من الحكام العرب، وعلى المرتبكين من الساسة. وعلى حازمي الحقائب، وجامعي الأموال، والمتاجرين بالدم الذي سيسيل. يتفرج على عجز عضوي في هيئة القرار. وعلى شذوذ مبدئي في الموقف مما يحدث. لقد افتضحت الشجاعة، وانكشف الاستقلال، وظهر التواطؤ. ووصلت الفضيحة إلى الممنوع والمقدّس وحرّاس الإسلام.

العربي العادي يتفرج أيضاً على هزاله الشخصي، وعاديتّه. ويتفقد ما بقي من كرامته، ويعيد وصفها على ضوء الحرائق. في وسط الفساد العام، وعلى مرمى حجر من سارقيه وجلاديه وأغبياء مصيره الشخصي. يتفرج على مناعته المفقودة. على تراكم الأخطاء، وتصنيع الكوارث من القرارات المرتجلة، والدراسات المغشوشة. والتنفيذ الابتدائي. ويتفرج على صانعي فساد حياته وهم يرتبكون الآن، وهم يخافون، وهم يترجلون عن الكبرياء المزعوم، والشعارات الطنانة، ويترجلون حتى عن الدبابة لتثبت براءتهم من العسكريتاريا، ويفكون حزام المسدس لتثبت نظافتهم من الإرهاب.

العربي العادي، أبو الحجارة، أبو الصرخة اليتيمة، أبو الندم على الإنجاب، والحسرة على الأمل، أبو الصبر على الصحراء والتصحّر والفقر والهدر والغدر… هذا العربي الذي رأى الصمت الأسود على شارون والجمجمة الصفراء على صدام حسين…

هذا العربي… في انتظاره اليوم المزيد مما يجعله عاجزاً. في انتظاره هراوات جديدة لتفريق احتجاجه على الحرب، وغازٍ جديد لإغمائه. وسيارات شرطة حصينة لنقله إلى مقبرته أو سجنه، وآلات جديدة لإحصاء خسائره، ولغة جديدة أيضاً لوصف بؤسه.

العربي العادي سيصرخ ويسأل: في وجه مَن؟ أمريكا أم الحاكمين؟ المارينز أم الشرطة العربية الواحدة؟ ولماذا سيصرخ العربي العادي وهو عاجز عن الوصول إلى الرقاب التي يعضّها والأوكار التي فقست خرابه فيدكّها.

سيصرخ في كل الأحوال لأنه إذا سكت مات ب “دائه”.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى