نزعة الزهد بين البوذية والتصوف الإسلامي

 

نزعة الزهد ظاهرة إنسانية بدأت مع بداية الحياة البشرية في الأرض، وعندما نتصفح التاريخ نجدها في مختلف الديانات والفلسفات والحضارات، ومن الديانات القديمة البوذية، وكانت نشأتها في الهند، ثم انتشرت في بلادٍ شتى من منطقة آسيا والمحيط الهادي، وهي الديانة الرابعة بعد المسيحية والإسلام والهندوسية في عدد المنتمين إليها على مستوى العالم في عصرنا، ولها أغلبية في كامبوديا وتايلاند وبورما “ميانمار” وبوتان وسريلانكا ولاوس ومنغوليا، وينتسب إليها أكثر من ثمانية عشر في المائة من سكان الصين، التي تحتضن أكثر من مليار وثلاثمائة وثلاثة وتسعين مليونًا من المواطنين، فهذه الديانة تستحق مزيد الاهتمام من الباحثين، ولها مدرستان كبيرتان “هينايانا” و”ماهايانا”.

وإن كانت مدرسة “فاجرايانا” تعد مدرسة كبيرة ثالثة، فإنها في الحقيقة إحدى المدارس الفرعية لــ”ماهايانا”. وبين “هينايانا” و”ماهايانا” خلاف في ثلاث مسائل رئيسية، وهي: عقيدة وجود إلهٍ خالق، شخصية “بوذا” (أهو رجل تم له التنوير والإشراق، أم هو متجسد الإله الخالق؟ سبحان الله عما يصفون) البوذوية (بوذاهود) أهي ميزة تُكسَب بالتزام قوانين البوذية أم هي صفة طبيعية في جميع الكائنات يستطيع الإنسان تنميتها بالتزام القوانين.

والحياة الروحية الإسلامية التي نشأت من الوحي السماوي المنزل على سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) تطورت في أواخر القرن الأول الهجري إلى حركة الزهد، فكان قادتها يبذلون جهودهم في نشر فضائل الزهد والحياة الروحية. ولما بدأت هذه الطائفة تهتم بالتربية نشأت بينهم أفكار تربوية، فانتقلت الحياة الروحية الإسلامية منذ أوائل القرن الثالث الهجري إلى مرحلة التصوف، وبدأ الغربيون يدرسون التصوف الإسلامي منذ أواخر القرن الثالث عشر الميلادي، ومن المشهورين بدراسة التصوف الإسلامي من ذلك القرن الفيلسوف المتصوف المسيحي من أسبانيا رامون لول المتوفى سنة 1316، والمؤرخ الفرنسي جان دي جوانفيل المتوفى سنة 1317، وكان وليم جونز العالم اللغوي من بريطانيا والمتوفى في الهند سنة 1794 أول من أشار من الغربيين إلى تأثير الأفكار الهندية في التصوف الإسلامي، فقام بالمقارنة بين “فيدانتا” والتصوف، ثم جاء بعده بنفس الدعوى الباحث الأوروبي ثولك.

دراسة التصوف المقارن

ويؤكد كتاب “نزعة الزهد بين  البوذية والتصوف الإسلامي” لمؤلفه د. لقمان لوا – الوافي، أن دراسة التصوف المقارن فرصة ذهبية للباحثين لمعرفة قضايا الحياة الروحية في مختلف الأديان والحضارات، فرجوت أن أوصل ما بدأه الباحثون قبلي في هذا المجال. كما أن لقضايا الحياة الروحية أهمية كبيرة في ديانات مختلفة وإن دراستها وسيلة لتحقيق التفاهم بين أصحابها ولتوثيق الأخوة والمودة بينهم، فرجوت أن أسهم في جهود هذه الغاية النبيلة بإعداد كتابٍ في المقارنة بين البوذية والتصوف الإسلامي في نزعة الزهد.

والبوذية ديانة عالمية تحتل المكانة الرابعة بعد المسيحية والإسلام والهندوسية في عدد المنتسبين إليها على مستوى العالم، وينتسب إليها الناس في مختلف بلاد آسيا وفي أميركا الشمالية وأوروبا، فلدراسة القضايا الروحية فيها ولإعداد كتابٍ في مسائلها أهمية لا تُخفى.

يقول المؤلف: “كما أن البحوث التي تم إعدادها قبل باللغة العربية في موضوعات البوذية لم تكن كافية في تلك الموضوعات، ولم يكن أكثرها في مستوى أكاديمي؛ لأنها تناولت موضوعاتها دون الإشارة إلى مراجعها فعزمت أن أعد كتابًا بدراسة البوذية مستندًا إلى كتب علماء البوذية وبمقارنتها مع التصوف الإسلامي في الزهد”.

ولاشك أن الجانب الروحي المتين من أهم المقاييس التي تقدر بها فضيلة أي دينٍ لدى جماهير الناس، وقد نُصبت الشبهات حول الحياة الروحية الإسلامية بدعوى كونها وليدة لتأثر المسلمين بدياناتٍ وحضاراتٍ مختلفة، ومن تلك الديانات البوذية، فأراد الكاتب تناول قضية الزهد في البوذية والتصوف الإسلامي ليتضح التشابه والتباين وحقيقة قضية التأثير.

ويرى المؤلف أنه على الرغم من أهمية هذا الموضوع فإن الباحثين لم يعتنوا به كما ينبغي، فخلت المكتبات عن كتابٍ ودراسةٍ في المقارنة بين البوذية والتصوف الإسلامي في موضوع الزهد.

ويشتمل الكتاب على مقدمةٍ وتمهيدٍ وبابين ومقارنةٍ وخاتمة. أما المقدمة: فقد تضمنت أهمية الموضوع وأسباب اختياره، والصعوبات التي واجهت الباحث، وبيان الرموز التي استخدمتها في الكتاب، وتعريف الكتب التي اعتمدت عليها في دراسة الجانب البوذي ، والدراسات السابقة في هذا الموضوع، ومنهج البحث وخطته.

أما التمهيد: فهو في مفهوم الزهد عمومًا، وتضمن – الزهد لغةً واصطلاحًا – تاريخ الزهد – الزهد بين الفلسفة والعقيد – أسباب نزعة الزهد – المظاهر العامة للزهد – وجهة النظر السوسيولوجية حول الزهد – الزهد في ميزان علم النفس.

وتناول الباب الأول: البوذية، أصولها الدينية ونزعتها الزهدية: ويضم فصلين، جعل الفصل الأول منهما لتعريف البوذية ولبيان عقيدتها وفلسفتها وتطورها وسائر خصائصها المهمة؛ لأن البحث عن الزهد البوذي يحتاج إليها فاختار أن يأتي بها في فصلٍ خاص مرتبة، بدلًا من الإتيان بها خلال الكلام عن الزهد، وخصص الفصل الثاني لمباحث الزهد بالاعتماد على ما في الفصل الأول من بيان الأصول الدينية لدى البوذية.

أما الباب الثاني: الزهد في التصوف الإسلامي: فيحتوي على فصلين، الأول منهما في مفهوم التصوف وفي نشأته ومصادره وأهم خصائصه، وخصصت الفصل الثاني لمباحث لمقاصد الزهد وملامحه في التصوف الإسلامي ومفهوم الزهد وأهميته وخصائصه في التصوف الإسلامي، وجاءت الخاتمة لتعرض نتائج البحث وأهم توصياته.

يذكر أن كتاب “نزعة الزهد بين البوذية والتصوف الإسلامي” لمؤلفه د. لقمان لوا – الوافي، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى