كتاب الموقعنوافذ

نهاية البداية

نهاية البداية  … أنا اعرف قدرة المتحاربين على إنتاج النذالة”  جملة قالها قائد حربي شـكا إليه المدنيون المتورطون في تقاطع النيران، ولكنه أثنى، بعد خمس دقائق، على النذالة، حين أعطى الأمر، من وراء كتف جندي من جنوده، أصيب للتو…أعطى أمراً بتدمير مبنى خرجت منه تلك الرصاصة القاتلة!
في الخندق الآخر ثمة من يعرّف تعريفاً جديداً غنيمة الحرب : إنها كل ما تطاله يداك في منطقة الخصم… إمرأة وحلمها. طفل وحفاضاته . ماء الخبز وخبز الدم..
(سأضطر دائماً لاستخدام المجاز الأدبي). فليس هناك، إذن بالمحصلة، ممنوعات لا على هذا الطرف ولا ذاك . وهنا تبدأ الانزياحات الحقيقية نحو تعريف جديد لما يجري: ” إنها الحرب الأهلية!”
في اتفاقيات جنيف حول الحروب… تحاول الجيوش، قدر ما تســـتطيع إخفاء البشاعة، تحاول منع الانتهاكات. كأن تقتل أسيراً بعد استجوابه حول معلوماته عن المواقع  والأسرار، التي قد لا يكون لديه منها سوى أن ذخيرته نفدت، وأن الطعام لا يأتيه لا ساخناً ولا بارداً. ولقد رأيت، أنا شخصياً في حرب 1973 بين إسرائيل وسوريا ومصر…( وكنت مراسلاً حربياً) نماذج من التقيّد ، الجزئي على الأقل، بالاتفاقات الدولية حول الأسرى… قلت: نماذج. وهذا يلغي، إلى حد بعيد، المقارنة مع ما يجري في سورية…فللأسف تقيّدنا جزئياً هناك مع العدو، وانفلتنا من قيودنا كلياً مع الأخ والصديق والقريب! وهذا موضع ارتياب عميق… كالجراح!
قد يسـأل سـائل: لماذا هذه الكمية من العنف والشدة في هذه الحرب المفتوحة؟ وبصراحة قد يمضي وقت طويل قبل أن ينجز الدارسون تفسيرات علمية ومهمة في هذا المجال. لكن من الممكن لفت النظر إلى كميات معقولة من تفســير العنف على أنه حرب مجموعات مسلحة… ولكن ممكن لفت النظر أيضاً إلى الكميات المختزنة من العنف ضد السـلطة في أزمنـة طالت وتراكم فيها القهر المجتمعي والفردي ضد استبدادها وفسادها… وهما عنصرا الكآبة المكلفة، وموّلداً التذمر المسلح أيضاً.
وحين يصل الأمر إلى الحقل المعنوي، الذي يتعلق بالكرامة الإنسانية، سنجد أن نوع التعدّي على هذا الحقل، وعلى الكرامة… راكم، على مدى السنوات، نوعاً من الاحتقان لا ينفع معه تلك الجرعة المضافة من  دواء منتهي الصلاحية!
هكذا… تصبح الحرب الدائرة لا نهاية لها، إلا بتحطيم الحامل الاجتماعي والأخلاقي لهذا العنف. أو بتدمير الحامل الجغرافي …  والحيّز البشري. أي تدمير مدنيّة المدينة، وجعل الريف حقلاً من الشوفان المشتعل، والكرز والفستق والعنب المحروق في
الشـمال السـوري والوسـط السـوري والجنوب السـوري. ويكون على” ســورية الحديثة” أن تصبح أطلال القرون الوسطى. عندئذٍ لا تكون النهاية السعيدة للحرب نتيجة نفاذ ذخيرة الطرفين، وإنما بسبب أنه لم يعد هناك ما ينبغي تدميره!
هكذا تستمر مثل هذه الحروب لسنوات، كما في أماكن نعرفها، لبنان، الصومال، أفغانستان…إلخ.
ولكن… ألا يمكن التكهن بنهاية أخرى؟ ألا يمكن السعي لإيجاد نهاية أخرى؟
يمكن ذلك … حتى هذه اللحظة ، وسـأخبر نفسي وأخبركم عن ذلك في مقال آخر، شرط البقاء حياً، وسط تقاطع النيران. فالحرب لها بداية ونهاية مهما طالت…ويبقى الأهم… الخيارات المصنوعة في عقل الإنسان قبل مصلحته.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى