نوافذ شعرية| خمس قصائد افتراضيّة (محمد علي شمس الدين)

 

محمد علي شمس الدين


I ـ القطار

رحلَ القطارُ وأنتَ فيهِ
فكيف لم تبرحْ مكانكَ
في المحطة واقفاً؟
وتجيلُ طرفَكَ
مرّة نحو الطريقِ
ومرّة نحو الحقائبِ
وهي مثلك جمّعتْ أشياءها
ومضتْ
فهل رحلَ القطارُ؟
أم أن رؤياكَ التي أبصرتها في الليلِ
ما اكتملتْ
فعاجلها النهارُ؟
وأراكَ في ضدّين يقتسمان قلبكَ
فاسترحْ
يا أيها الولد الشقيُّ
لعلها فوضى
ومحضُ خديعةٍ
ولعلّ شيئاَ مّا
هنالكَ لم يكنْ
لا أنتَ
لا السفرُ الطويلُ
ولا القطارُ


IIـ المائدة السريالية

إلى «سِرج بي» SERGE TEY
كانت لنا مائدة
مصنوعةٌ من خشبِ الزيتونِ
ثُلّة من الجياعِ أنجزوها
مرّة وغابوا
وهكذا
فكل يوم
تأخذ الصبيَّ (وهو نائم في صحنها)
تأكلهُ
وربمّا
أكلها الصبيُّ
(وهو فوقها)
محدّقاً إلى الس ماء
باذراً هناكَ
حفنة من النجوم

وربّما ننامُ واقفينَ دونها
رُكَبنا غائصة إلى البطونِ
في الحليبِ
دون أن نرى
طاولة
تدور في غياهب السماء وحدها


يمرُّ نسر
خارج من المرآةِ
يقسم الصبيَّ بيننا نصفينِ
والكلامُ (ضاحكاً)
يدور كلّما
أطلّت الشمس التي
تزدردُ الورودَ والطيورَ والحصى
أمام أعين الذينَ
يجلسون تحتها
ويأكلونْ
لكنّما
في كل يومٍ
دون أن نُحسَّ أو نرى
تغيب صورةٌ
وتخسر المرآة عندها
صبيّها الجميل


IIIـ أشعار لولبيّة

في البحرِ
ربّما
اشتريتُ قطرة من المياهِ
نقطة جميلةً شربتُها
وأنتِ يا حبيبتي
في قطرةٍ واحدةٍ
شربتِ مثلي
كلَّ هذه المياهْ


وهذه الدائرة الحمراء فوقنا
ليست سوى شمسٍ
قبَستُ منها بعض سحرها
شرارةً من نار
جميلةً
كما لو انّها
أشعلتِ السماء كلّها
لأجل هذا
حينما لمستِ هذا الليلَ
يا حبيبتي
أشعلتِ فيهِ
شمسه المخبّأة
وبقعةً تلألأتْ
أمام ظلّنا الذي
لم يبقَ فوق الأرضِ
غيرهُ لنا
وقد دفنّا تحته
أقدامنا
لنبدأ الطريق من جديدٍ
في اللانهاية التي
مشيتِ فوقها
صرتُ أنا الطريقْ


VI ـ حاجُّ القيامة

حملتُ أخي
على كتفي
أجوبُ أزقّة الأيامِ
بين البيتِ والمنفى
وجدْت أخي يغادرني
ويسكن غرفة بيضاءَ
في دهليز مستشفى
وحين بكيتُ
أومأ لي بنظرتِهِ
وقالَ تعالَ واحملْني
فإنّ الدهرَ
أوجد من غراب البينِ أربعةً
وعلّمها
على الأطلال أن تبكي
ولكنّ الحمامةَ
(وهي واحدة)
أتت بيضاءَ
جاثمة على الفُلكِ
لتنقلها رياح الله
من مُلك
إلى ملكِ


V ـ بكاء بلا طلل


وإنيّ
سفكتُ دماء الشياطينِ
عند الظهيرة
وطفتُ على ناصيات الخيولِ طويلا
إلى أن رمتني
على سابحٍ
من بُراقٍ عجيبْ
جريحاً
على حافة الريحِ
وحدي
أرى
لا أنامُ
فلا تدفعيني
بعينيكِ
نحو الردى
إنّ قتلي حرامُ
أخافُ
إذا ما دنوتُ
فأوشكْتُ
أن يشعلَ البرقُ جسمي
على «طورِ» عينيكِ
أو
أنْ يتيهَ الكلامُ
وأوماتُ للشمسِ
أنْ
أقبِلي
وللقمر المجتبى
أنْ
تَقَدّمْ
وصُعِّدَ بي
نحو العُلى
فسموتُ
وحين وصلتُ
إلى سدرةِ المُنتهى
سمعت على الشجر
الطير أوّابةً
بلا طللٍ
وهي تبكي

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى