تحليلات سياسية

هاجر قطف: هكذا تتجلّى الذات الاستعمارية في فلسطين

 

في كتابها «الذات الاستعمارية أو الوطن وانعدام المأوى في إسرائيل/ فلسطين» (منشورات جامعة ديوك ـ 2020) تقول الكاتبة هاجر قطف، وهي أستاذة مشاركة في النظرية السياسية والفكر السياسي المقارن في جامعة SOAS في لندن: «غالباً ما يركز العديد من الإسرائيليين الذين يكتبون عن الاحتلال أو الجوانب الاستعمارية الأوسع للسيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين، بمن فيهم هي نفسها، على آليات القوة والهيمنة وتقنياتها، أو على بنية القانون، أو منطق العنف والحكم، لكنهم يسعون إلى تحويل النظرة إلى المواقف الخاضعة داخل شبكات الاحتلال والاستيطان الأوسع: المستوطن أو الذات الاستعمارية. كيف يمكن إذن صياغة النقد عندما تكون ظروفه المادية موضوع النقد؟ يمكن للمرء أن ينتقد دولة المرء، بالتأكيد – عنفها وحروبها، لكن كيف يمكن للمرء أن يشكّك في شرعية وطنه؟ كيف يمكن للمرء أن يشير إلى الأخطاء المتأصّلة في طبيعة وجوده السياسي؟ ماذا يعني أن لا تكتب يهودية إسرائيلية ضد «الاحتلال» فحسب، بل أن تدرك أن منزلها مرتبط تاريخياً بتدمير منازل الفلسطينيين؟ أن ارتباطها بهذا المكان يقوم على تاريخ – ليس مثل هذا التاريخ البعيد – من العنف وهو مشروط، على الأقل إلى حد ما، بإدامة هذا العنف؟ (وبما أن إسرائيل أصبحت أنموذجاً لنوع معين من النقد اليساري، فمن الجدير بالذكر أن الاختلاف الأساس بين إسرائيل والمستعمرات الاستيطانية الأخرى مثل الولايات المتحدة أو أستراليا في هذا الصدد هو الكثافة الزمنية).

بمجرد أن نتحرك للانخراط في مثل هذا النقد، لم يعد هناك فصل عن الـ «أنا» التي تكتب وموضوع نقدها، أي الدولة وأفعالها: عنف الجيش والشرطة وسياسات التخطيط والتمييز القانوني. تصبح الأنا نفسها موضوع النقد وصوتها – المكان الذي تتحدث منه، ولغتها، والحوارات المتاحة لها – لم يعد بإمكانها التظاهر باتخاذ موقف يتعارض ببساطة وبشكل واضح مع الظلم. من هذا المنظور، كان من المستحيل كتابة هذا المؤلف، وهو عمل من شأنه أن يضرب جداراً أخلاقياً وسياسياً أينما ذهبت؛ إنه مؤلف عن هذه المآزق». بعبارة أخرى، تقول الكاتبة: «أنا لست مهتمّة برثاء مأساة هذا الموقف الموضوعي، لكنني مهتمة بتقديم نقد لهذا الشكل من الذاتية. مع ذلك، لم نفهم الآليات التي بواسطتها استعمار الذات يمكن أن ينهي الاستعمار وإمكانية السكن في منطقة – منزل – بطرق غير استعمارية على الرغم من تاريخ الاستعمار. نحن في حاجة إلى فهم آلية ترسيخ الذات الاستعمارية في كل من الفضاء ومعاني العدالة. هذا هو الهدف الرئيسي للمؤلف».

توضح الكاتبة أن المستعمرين يحوّلون باستمرار مساحات العنف إلى مساحات منزلية. يهود إسرائيليون يستوطنون في الضفة الغربية وفي منازل فلسطينية مهجورة في حيفا أو يافا. والمبشّرون البيض يبنون حياتهم في أفريقيا. أحفاد المستوطنين الأوروبيين في الأميركتين وأستراليا يسكنون ويزدهرون على أراضي السكان الأصليين المصادَرة. والكاتبة تتعقّب الأجهزة الثقافية والسياسية والمكانية التي تمكّن الناس والأمم من الاستقرار على أنقاض منازل الآخرين. وتوضح كيف أن أنماط العنف الجماهيرية والهيكلية الضرورية لتأسيس المستعمرة واستدامتها، تسكن داخل صناعة المنزل الاستيطانية الاستعمارية، ومن خلالها تشكِّل الهويات الجماعية والفردية. وهكذا تُظهر كيف أن إمكانية العيش وسط الدمار الذي يولّده المرء، ليست مجرد إمكانية تحويل نظر المرء بعيداً من العنف، بل أيضاً من إمكانية تطوير الارتباط بالعنف نفسه. بالتالي يقدّم المؤلف إطاراً نظرياً لفهم كيف يصبح العنف الاستيطاني الاستعماري غير منفصل عن إحساس المرء بذاته.

يركّز مؤلفنا هذا على ثلاثة منازل رئيسة، أو، والأفضل من ذلك، ثلاث شخصيات رئيسة للمنزل، وهي نماذج أولية من الأنواع التي تمثل أنماطاً مختلفة من المناطق الجغرافية العنيفة. الأول هو منزل أحد أكثر المستوطنين عنفاً في الضفة الغربية، وهو منزل أدى إلى إخلاء قرية فلسطينية بأكملها. إنها أيضاً أكبر مزرعة عضوية في «إسرائيل». العلاقة بين أخلاقيات الزراعة العضوية وهذا الشكل من التجريد من الملكية أمر بالغ الأهمية لها، كجزء من محاولة لفهم المخططات الأخلاقية التي يتم استخدامها لدعم المنازل في ظل ظروف العنف هذه. (الجزء الثالث). المنزل الثاني هو في الواقع مجموعة من المنازل: المنازل الفلسطينية المهجورة التي يسكنها يهود إسرائيليون… هذه البيوت الفلسطينية في يافا والقدس وغيرهما. هذا الفضاء المهجور يخدم كقصة رمزية للصهيونية بشكل عام (إن لم يكن الاستيطان على هذا النحو).

في محور هذه القصة الرمزية، توجد الصهيونية الليبرالية، وبهذا المعنى، هناك درس أوسع يتعلق بالمشاعر الليبرالية هنا. يتنقل الثنائي المكوّن من الجزءين الثاني والثالث بين حدود 1967 و1948 ويسعى للتفكير معاً (حتى لو كانا منفصلين) في إنشاء إسرائيل واحتلال الضفة الغربية وغزة. بطرق مختلفة تماماً، يفتح هذان الأسلوبان أسئلة تتعلق بالروايات والإيديولوجيات والأخلاق المختلفة التي تسمح للفرد بالعيش وسط الدمار الذي يتحمّل مسؤوليته. وفقاً لذلك، يسمح لنا هذا التحليل برؤية أشكال المواقف الاجتماعية والسياسية – الذات – التي تظهر من خلال الارتباط بهذه المواقع من عنف. يعتمد تحليل هذين الجزءين على التصنيف المكاني للمنازل المتنازع عليها، والفحص الإثنوغرافي لهذه المنازل كمواقع يتم فيها التفاوض على المواطنة الرسمية والمطالبات بالمكان، والتحليل الثقافي لإنتاج الهوية عبر دراسة تمثيلات المنازل، وطنية أو خاصة. أخيراً، البيت الثالث، الذي يفتح هذا المؤلف، هو صورة الوطن كما يدور في النظرية السياسية (الجزء الأول)؛ هو المنزل الذي تسعى الكاتبة إلى وضعه كوحدة أساس للتحليل السياسي. من خلال هذه القراءة، أوضحت الكاتبة كيف يتم دمج بنية نزع الملكية في أنماط مختلفة من الذاتية، وبالتالي توفير أساس مفاهيمي للتحليل التالي وهو «المنزل والعنف، النطاق الأوسع للحجة».

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى