نوافذ

هذيان

قبل الحرب على العراق بشهرين كتبت هذا الهذيان:

أرقام طريفة تلك التي تتحدث عن حجم ونسبة استهلاك أمريكا للموارد العالمية 40% وهي النسبة نفسها من تلويثها للبيئة. أي أن ما يأكلون يساوي ما “يتبرزون” ولكن في الهواء وطبقة الأوزون وحرارة الأرض: إنها الفضلات السامة، كما الاستغلال السام.

ومن الأرقام الطريفة، أيضاً، أن العالم الثالث الفقير والمهمش لديه عدد من الأفراد الذين يعرفون الكثير عن هذا العالم أكثر من معرفة العدد المماثل من الأمريكيين عن عالمهم هم… عن ولاياتهم وبلادهم. ولا يعرفون شيئاً عن بلاد الآخرين. إن نصف خريجي الجامعات يفشلون بمعرفة تاريخ اكتشاف أمريكا (يخطئون بخمسين سنة ما فوق).

هذه المقدمة أسوقها رد فعل على تقرير وزير الخارجية كولن بأول أمام مجلس الأمن. وعلى الصور والمعلومات التي قدمها للعالم  للتأكيد أن لدى العراق أسلحة دمار شامل. فإذا كان حجم هذه المعلومات لا يزيد عما يصممه ولد يلعب بالكمبيوتر، ولا يزيد عن تسلية على شريط يسجَل عليه عراقيان في واشنطن مكالمة مزعومة، بين ضابطين عراقيين مزعومين، يتآمران. وإذا كان طوني بلير قدم للرئيس بوش معلومات استخبارية افتضح أمرها، بأنها معلومات طلاب دراسات عليا منشورة في الصحف… ولا تحتوي على أي نوع من مصداقية المعلومات.

وإذا، وإذا… فما الهدف من استغباء مفضوح لعالم مفتوح لديه من الوسائل ما يمكنه من التحقق، ومن العقل ما يمكنه من التشكك؟

الهدف تبرير هذه الحرب المجنونة القادمة، والتي تحمل كارثة التدمير بالتغيير.

وهكذا… آلة الإعلام خدّرت العقل الأمريكي العام، وجعلته يقول بل يهتف: هيا إلى الحرب. لقد استخدم بوش آنذاك كلمة الحسم التقليدية “اللعبة انتهت” وهي عبارة فجّة من مأثورات شوارزنيغر الخائض الدائم حرباً ضد الشر والبرابرة، والمنتصر أبداً.

لقد صممت الحرب تصميماً لأزمنة قادمة، ولمواضيع مزمنة، كإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي، اللعب بالنفط سوقاً وتسعيراً وضمانات.

التدخل في تغيير بنية النظام العربي، وإرساء قواعد عصر جديد، مطاردة حركات التمرد والمقاومة، وتصنيفها كإرهاب. الوجود الحاسم، متعدد الاستعمالات، على مقربة من مداخل العالم إلى إيران، والسيطرة على المواصلات منها وإليها.

وأخيراً تدشين ثقافة العصر الأمريكي، مفردات ومعطيات وأساليب.

الحرب واقعة. واقعة لا محالة.

كل ما نرجوه أن لا يعتقد المعارضون العراقيون، القادمون على ظهور الدبابات الأمريكية، أنهم جهاز تبشير بدمقرطة العراق…

ودول الجوار من بعده !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى