تحليلات سياسيةسلايد

هكذا تضمن “إسرائيل” هيمنتها ونفوذها

لم يكن كل هذا ليحدث لولا الطمأنينة التي تعيشها “إسرائيل” جرّاءّ قبول الحكام العرب تَبَعِيَّةَ دولهم، وهيمنتها على المنطقة.

حين يصبح تصريح إنسانيّ لشخصية إعلامية رصينة، مثل جورج قرداحي، أو التصريح بكلمة حق، نادت بها كل الشرائع الإنسانية، سبباً، أو ذريعة لأزمة دبلوماسية خطيرة بين دولتين، يُفترض أن مواطنيهما أبناء أمة واحدة، تكون الأمة في خطر. وحين تنضمّ دول شقيقة أخرى، وإن كانت مرغَمة، أو كأنها مرغَمة، إلى الإجراءات العقابية ذاتها، ضد دولة ذلك الإعلامي الحرّ وشعبه، يكون الخطر أكبر. وإن صح خبر أن “دولة” ثالثة معادية لكل الأشقاء هي التي تعطي الأوامر، أو التوجيهات، أو “النصائح”، باتخاذ هذه الإجراءات، تكون الأخطار مأساوية. وحين تكون “الدولة” المستفيدة من كل هذه الإجراءات والصراعات بين الأشقاء، أو الذين يُفترض أنهم أشقاء، هي “دولة” معادية ومغتصِبة لحقوق الأمة وأراضيها ومقدساتها، ديدَنُها قتل أبناء الأمة واستعبادهم، تكون المأساة مضاعَفة.

وتتضاعف المأساة ألف مرة حين يكون بعض الحُكّام، “الأشقاء”، شركاء في القتل والتدمير، ومروِّجين للعبودية والتبعية للأعداء والمغتصبين لشعوبهم وأمتهم.

هذه هي حال العرب والمسلمين، أبناء “خير أمة أُخْرِجت للناس”! وحين يتقاتل العرب فيما بينهم، أو يتخاصم المسلمون ويقتلون بعضهم بعضاً، بسلاح أجنبي وبتوجيه العدو المشترك ورعايته، لا نستطيع أن نسمي ذلك “ربيعاً” عربياً، بل هو “المحرقة العربية الإسلامية”، في حد ذاتها.

لا داعي للتذكير بما مرّ ويمرّ فيه العرب والمسلمون من محرقة شهدها القاصي والداني، ويسجّلها التاريخ بحبر مجبول بدماء فاقت كل حدٍّ، وعبرت كل الحدود. فمنذ أن انضم الحكام العرب إلى عملية مصالحة وتطبيع معلنَين مع من اغتصب أرض الأمة ومقدَّساتها، وشرَّد أهل الرباط، برجالهم ونسائهم وأطفالهم، كان على الأمة أن تستفيق من نومها العميق، وتنهض. لكنها، كما يبدو، كانت، ولا تزال، غارقة في سَكْرَة “الربيع” العربي، أو أغمتها رائحة الدم المسفوك، أو أصابها الدَّوَران من دخان “المعارك الداعشية”، أو قل، دخان “المحرقة العربية”.

منذ ان أعلن ترامب صفقته المعروفة باسم “صفقة القرن”، والسلامَ المسمّى “السلامَ الإبراهيمي”، أكدنا أن ذلك لم يكن ليحدث لولا سَكَراتُ المحرقة العربية، ودخانها الذي يُعمي الأبصار والبصيرة، على حد سواء. وإن استمرار استثارة الغرائز والعصبيات، وتغييب العقل، لا بد من أن يؤدي إلى حالة قد لا تكون العودة منها إلاّ بمصائب أكبر.

منذ أن أعلن ترامب ونتنياهو وحكام الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، “السلام الإبراهيمي”، أعلنوا أيضاً أن “الديانة الإبراهيمية” هي “ديانة التسامح والمساواة” بين أبناء الديانات التوحيدية الثلاث، الإسلام واليهودية والمسيحية، كما يدّعون، كأنها هي المذهب البديل للمذهب “الداعشي” الدموي.

لكن، عندما نعي وندرك أن الداعين إلى “الإبراهيمية” هم أنفسهم مَن دعوا إلى “الداعشية”، ودعموها بالمال والسلاح والإرهابيين، من كل حدب وصوب، والإعلام الكاذب والقرارات الدولية، لا بدّ من أن نستنتج أن “الداعشية” الدموية كانت مرحلة لا بدّ منها لتسهيل قبول “الإبراهيمية”. أمّا الأب والراعي فهما واحد، وعلى أنغام طبوله ترقص القِرَدة.

ليس هذا فحسب، بل قلنا ونبهنا أيضاً إلى أن “السلام الإبراهيمي” لا يعني سلاماً وطمأنينة وأماناً، بل يعني تحالفاً جديداً من أجل الحرب والعدوان على الأشقاء، ونهب خيرات الشعوب، استمراراً للنهب الذي يتمّ منذ قرن من الزمان. وهو تحالفات اقتصادية وسياسية وعسكرية، ضد كل من يرفض العبودية ونهج التبعية للسيد الأميركي الصهيوني في المنطقة. هو تحالف ضد كلمة الله الذي دعا إلى الحرية والحق والسلام بين الإنسان وأخيه.

وحين نبّهنا لإمكان التلاعب بتفسير القرآن الكريم، وحتى نصه، كما فعلوا سابقاً بالإنجيل المقدَّس، اتَّهَمنا البعض بالمبالغة أو تبنّي نظرية المؤامرة. فهل راجع هؤلاء نص القرآن المترجَم إلى العبرية مؤخراً؟ وهو صادر عن مؤسسة “مجمع الملك فهد في المدينة المنورة لطباعة المصحف الشريف”، وهل رأوا كيف استُبْدِلت تسميةُ “الهيكل” بتَسميةِ “المسجد الأقصى”؟ وهل راجع هؤلاء مناهج التعليم في الدول المطبِّعة مع “إسرائيل”، ومنها مناهج تعليم الدين الإسلامي؟

لن أفصّل في هذا المجال، وسأتركه لأصحاب الشأن والتخصص، على أمل أن يستفيقوا من نومهم العميق، فيجدوا أنفسهم بين خيارين أحلاهما مُرّ”: بين “الإسلام الداعشي” و”الإسلام الإبراهيمي”، وكلاهما من إنتاج “الفقيه” الأميركي الصهيوني نفسه.

لكن، لا بدّ من الانتباه لمن مرّوا في غبار معركة “الحرب العبثية”. لقد مرَّرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي قرارات خطيرة من أجل بناء مزيد من الوحدات الاستيطانية التي تنهب مزيداً من الأرض الفلسطينية. ومرَّرت أيضاً قرارات خطيرة تهدف إلى الانتقاص من حقوق المسلمين في المسجد الأقصى وما حوله، حتى إذا استفاق المسلمون يوماً، وجدوا أن ما كان لهم أصبح لغيرهم، وقُضِيَ الأمر.

وفي غبار المعركة العبثية هذه، أيضاً، أجرت طائرات مقاتلة من طراز أف 35 وأخرى من طراز أف 15 وأف 16 مناورات وُصفت بالأكبر والأهم والأكثر تعقيداً، كما وُصفت بالاستراتيجية، وهي مناورات وفق سيناريو متخيَّل لحرب إقليمية أو دولية في المستقبل.

والأنكى من ذلك أن الجهات التي شاركت في هذه المناورات هي الأسلحة الجوية لثماني دول في المنطقة وحوض البحر المتوسط ولآخرين، وبينها “إسرائيل” والإمارات ومصر والأردن، بالإضافة إلى فرنسا وبريطانيا والهند، وبقيادة واحدة هي القيادة المركزية للقوات المسلحة الأميركية في الشرق الأوسط، والتي ضُمّت إليها “إسرائيل” بعد اتفاقيات “السلام الإبراهيمي”. فمن هو العدو المشترك في هذه المناورات يا ترى؟ من هو العدو المشترك لـ”إسرائيل” ومصر والإمارات والأردن؟ وهل ستنضمّ إلى هذا التحالف دولٌ عربية أخرى في المستقبل؟ وكيف أصبح المحتل الإسرائيلي لأرض فلسطين شريكاً وحليفاً عسكرياً لمن يدّعون أنهم يريدون تحرير فلسطين؟

لم يكتفِ هؤلاء بالمناورات الجوية العسكرية هذه، بل قامت طائرات حربية تابعة للاحتلال الإسرائيلي وطائرات حربية أردنية ومصرية وسعودية وبحرينية، يوم الأحد الأخير، بمرافقة القاذفة الأميركية “”B-1B Lancer في جولة استعراضية واستفزازية استمرت خمس ساعات متواصلة، فوق مناطق استراتيجية في الشرق الأوسط، من قناة السويس والبحر الأحمر ومضيق باب المندب، حتى خليج عُمَان ومضيق هرمز. وكان هدفها هو تأكيد هذا التحالف العربي مع “إسرائيل” ضد إيران، برعاية أميركية، وتأكيد القبول العربي لوصول الحدود الأمنية لـ”إسرائيل” إلى مياه الخليج وبحر العرب، وهذا ما خطّط له آباء الحركة الصهيونية منذ عقود مضت، حتى جاء حكام العرب هؤلاء ليحققوا لهم حلمهم.

لم يكن كل هذا ليحدث لولا الطمأنينة التي تعيشها “إسرائيل” جرّاءّ قبول الحكام العرب تَبَعِيَّةَ دولهم وجيوشها، وهيمنة “إسرائيل” على المنطقة، بديلاً أو نائباً عن السيد الأميركي. من هنا، لا بدّ من أن نذكّر بالظروف التي تسمح للحركة الصهيونية، متمثّلةً بـ”إسرائيل”، برعاية استعمارية، بتحقيق استراتيجيتها. ويمكن اختصار هذه الشروط فيما يلي:

1)  إبقاء الشرق الأوسط في حالة نزاع وتوتر دائمين، بين العرب أنفسهم، وبين العرب وغيرهم من المسلمين، وبالذات إيران، وبين الحكام العرب وشعوبهم. وتبقى المنطقة تحت تهديد الحرب، أو الثورات، التي تهدّد هذه الأنظمة العميلة. وهذا ما يضمن بقاء الحكام الرجعيِّين تحت التهديد والحاجة إلى الحماية الأميركية الإسرائيلية.

2)  الحرب الدائمة على الوعي من خلال تجنيد وسائل الإعلام المتعددة لخدمة هذا التحالف، تحت مسميات ناعمة، تتبدل أسماؤها بين الحين والآخر، ويمكنها تضليل الشعوب.

3)  استمرار التوتر المذهبي خدمة للتحالف مع “إسرائيل”، سياسياً وأمنياً، واستمرار العمل في كل الأشكال من أجل دق كل إسفين ممكن بين حزب الله والحاضنة الشعبية اللبنانية، أو ما يوصف بالمثلث الذهبي، المقاومة والجيش والشعب، مع ضمان استمرار الانقسام الفلسطيني، وسيطرة الفساد والفاسدين لضمان استمرار التنسيق الأمني.

4)  توثيق العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية بين “إسرائيل” ودول الخليج المطبِّعة، مع إصرار “إسرائيل” على إلغاء الحقوق الفلسطينية المشروعة حتى تصبح مصلحة الحكام المطبِّعين من مصلحة المحتل الإسرائيلي.

5)  استمرار المناورات العسكرية المشتركة، حتى يعتاد الوعي العربي، رسمياً وشعبياً، على هذه الشراكة، واعتمادها واقعاً غير قابل للتغيير.

هكذا، تضمن “إسرائيل” هيمنتها ونفوذها، وتبقى وسائل الإعلام العربية المموَّلة من البترودولار تحرّض ضد “النفوذ” الإيراني و”نفوذ” حزب الله والحوثيين وسوريا. ولا أحد في هذه القنوات الإعلامية يتحدّث عن الهيمنة الإسرائيلية في الشرق الأوسط، ونفوذها في أفريقيا من خلال مساعدة الحكّام العرب، ووصول نفوذها إلى الهند وأميركا اللاتينية وأوكرانيا وأذربيجان.

الميادين نت

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى