هل أجهضت القوّات التركيّة انقلابًا لإطاحَة النّظام القطريّ في حزيران الماضي

في ظِل تَراجع الأزمة السوريّة، وخَسارة “الدولة الإسلاميّة” للغالبيّة السّاحقة من أراضيها في سورية والعِراق، وانشغالِ مِصر بهُمومِها الاقتصاديّة، تَتحوّل دُول الخليج العربيّ إلى مِحورٍ أساسيٍّ للحِراك السياسيّ، وما يَتفرّع عَنه من أخبار، والاستثناء الوحيد لهذهِ القاعدة هي الانتفاضة الثّالثة في الأراضي المُحتلّة. كَشفت مَجلّة “جرتشك التركية”، ومن خِلال تقريرٍ إخباريٍّ مُطوّل، عن أنباءِ إحباط القوّات التركيّة مُحاولةً انقلابيّةً للإطاحة بالشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، يوم الخامس من حزيران (يونيو) الماضي، وأكّدت أن الشيخ تميم طَلب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أثناء مُكالَمَةٍ هاتفيّةً مَعه إرسال قوّاتٍ تركيّة لحِماية العاصمة القَطريّة.

صحيفة “يني شفق” اليوميّة التركيّة شِبه الرسميّة، والمُقرّبة من الرئيس أردوغان، أعادت نَشر التّقرير ممّا أضفى المَزيد من المِصداقيّة عَليه، وأوحى في الوَقت نَفسِه بأنّ هُناك رَغبةً رَسميّةً لتَوزيعه وإيصالِه إلى أكبرِ عَددٍ مُمكنٍ من القُرّاء والمَسؤولين أيضًا.
السفارة القطريّة في أنقرة أصدَرت بيانًا نَشرته على مَوقِعها الرسميّ، نَفت هذا التّقرير الإخباريّ الذي قالت أنّه تَضمّن الكثير من الادعاءات العارية عن الصِحّة جُملةً وتَفصيلاً، ولكن الوقائِع المَيدانيّة تُؤكّد أن قطر كانت مُستَهدفةً بتدخّلٍ عَسكريٍّ إماراتيٍّ سُعوديّ، لدَعم انقلابٍ داخليٍّ تَنخرط فيه بعض القَبائل على غِرار ما حَدث في شباط (فبراير) عام 1996.

الشيخ صباح الأحمد، أمير دولة الكويت، قال في مُؤتمرٍ صحافي عَقده على هامِش زِيارته لواشنطن في أيلول (سبتمبر) الماضي، أن وِساطة بِلاده في الأزمةِ الخليجيّة مَنعت مُواجهةً عَسكريّةً، بينما أكّد الشيخ تميم في حَديثِه لبرنامج “سُتّون دقيقة” في مَحطّة “سي بي إس″ أن هُناك نوايا عَسكريّة جَديّة لتَغيير النّظام في قَطر.

السّلطات القطريّة كانت تَتوجّس من حُدوثِ غَزوٍ خارِجيٍّ لها حتى قَبل الأزمةِ الخليجيّة الأخيرة بأشهرٍ، ولهذا وَقّعت مُعاهدة دٍفاعيّة مع تركيا، سَمحت للأخيرة بمُقتضاها بإقامة قاعدة عسكريّة على شَريط العيديد البَحري جنوب الدوحة، وبالقُرب من القاعدةِ الأمريكيّة.
خَطر التدخّل العَسكريّ ما زال قائِمًا، فالمملكة العربيّة السعوديّة لَجأت إلى استمالة العَديد من أبناء القَبائِل القَطريّة وشُيوخِها إلى صَفّها، مٍثل الهواجر والقحطان وبني مرّة، مِثلما استمالت بعض شُيوخ أُسرة آل ثاني الحاكِمة، وتَجنيدِهم في مَشروعِها لإطاحة النّظام، ومن هؤلاء الشيخ عبد الله بن علي، شَقيق أول أمير تَولّى الحُكم في قَطر بعد الاستقلال، والشيخ سلطان بن سحيم، ابن وزير الخارجيّة الأسبق، ونَظّمت اجتماعًا لهؤلاء قبل أسبوعٍ في الرّياض تحت عُنوان الاحتفال بالعيد الوطنيّ لدَولة قطر.

الرئيس أردوغان أرسلَ قبل يَومين دُفعةً جديدةً من القوّات التركيّة إلى الدوحة بحيث بَلغ عدد القوّات التركيّة في قاعدة العديد أكثر من 35 ألف ضابط وجُندي مُجهّزين بالمُدرّعات والدبّابات والمِدفعيّة، حسب ما كَشفته مصادر خليجيّة مُطّلعة لـ”رأي اليوم”.
الأمير محمد بن سلمان، ولي العَهد السعوديّ وَصف الأزمة مع قطر بأنّها صغيرةٌ جدًّا جدًّا وسَتطول، وكَرّر وزير خارجيّته عادل الجبير العِبارةَ نَفسها أكثر من مَرّة، ولكن هذا لا يَنفي أن لا يَكون خَطر التدخّل العَسكري ما زال قائِمًا، بطَريقَةٍ أو بأُخرى، وإلا لماذا تتدفّق هذهِ القوّات التركيّة إلى الدّوحة؟

الوجود العسكري التركي لَعِب دورًا كبيرًا في إحباط، وربّما، تأجيل خُطط التدخّل العَسكري في الأزمة القطريّة، ولَعلّ تَسريب أنباء في هذا الصّدد إلى صُحف تركيّة مُهمّة، وفي هذا التّوقيت، لم يَكُن من قبيل الصّدفة، وإنّما للتّأكيد بأنّ تركيا مُلتَزِمةٌ بحِماية حليفها القطريّ في مُواجهة أيِّ انقلابٍ مُحتمل يُهدّد نِظامه.القوّات التركيّة ربّما لن تَصمِد طويلاً أمام طائِرات “إف 16″ و”إف 15″ التي تُوجد المِئات مِنها في تَرسانة كُل من السعوديّة والإمارات الجَويّة لعَدم وجودِ غِطاءٍ جَوّيٍّ تُركيٍّ يَحميها، ومُهمّتها قد تَكون أكثر فعاليّة في مُواجهة أيِّ تَحرّكٍ داخِليّ، ولكن يَظل المَوقف الأمريكيّ حاسِمًا في هذهِ المَسألة تأييدًا، أو مُعارضة، لأيِّ مُحاولةٍ للتدخّل العَسكريّ لإطاحة النّظام.

تركيا تتغلغل عَسكريًّا وأمنيًّا في المِنطقة، وهذا التّغلغل بًدأ في الدّوحة، وامتد إلى إدلب، ووَصل الآن إلى جزيرة “سواكن” السودانيّة على شواطِئ البَحر الأحمر، ويَعلم الله أين ستكون مَحطّته المُقبلة، وهذا كُلّه بفَضل أخطاءِ الآخرين، أو حالةِ الشّلل التي تُهيمن على تَفكيرِهم، وعَدم قُدرتهم على قراءة الوَقائع على الأرض بِشَكلٍ صحيح.

صحيفة رأي اليوم الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى