هل الغارة الصاروخيّة التي استهدفت اجتماعًا لقيادات “النصرة” هي إعلان ببدء تصفية الجماعات المسلّحة في إدلب؟ ولماذا “أمريكيّة” تزامنت مع قرار روسي بوقف إطلاق النّار؟ وما هو مصير الجولاني؟ وأين يقِف أردوغان من كُل هذه التطوّرات؟

 

التّهديد الأكبر الذي يُواجه الرئيس رجب طيّب أردوغان حاليًّا لا يحتاج إلى منظومة صواريخ “إس 400″، ولا لطائرات “سو57” الأحداث في التّرسانة العسكريّة الروسيّة لمُواجهته، وإنّما قرارات سياسيّة تتّسم بالمُرونة والشّجاعة في الوقت نفسه، تردّد سبع سنوات في اتّخاذها لأسبابٍ عديدةٍ ليس هُنا مجالها.

‏نشرح أكثر ونقول أنّه التّجسيد الأكبر والأوضح، لهذا الخطر تمثّل في المُظاهرات التي اشترك فيها أكثر من عشرة آلاف من أبناء مدينة إدلب أمام معبر باب الهوى على الحدود التركيّة قبل يومين تطوّرت إلى محاولة لاقتحام المعبر إلى العُمق التركي هربًا من القصف الجوي الروسي السوري المُشترك للمدينة، واحتجاجًا على التقصير العسكري والسياسي التركي في وقفه.

الرسالة التي أرادها المُحتجّون إرسالها إلى أنقرة والرئيس أردوغان بالذات، عُنوانها الأبرز حدوث شرخ يتوسّع في العلاقات بين تركيا وحُلفائها السوريين المُعارضين للرئيس بشار الأسد وحُكومته، بعد أن فشِلت كُل رهانات هؤلاء على أنقرة، ومجموعة أصدقاء سوريا، بزعامة أمريكا في تغيير النظام السوري، أُسوةً بما حدث في ليبيا والعِراق، ووصول الأمور إلى هذه النّهاية المأساويّة.

***

خُطورة هذه الاحتجاجات تتمثّل في تزامنها مع أُخرى مُماثلة، ولكن أصغر حجمًا، اندلعت في بعض أحياء إسطنبول، العاصمة والاقتصاديّة والإسلاميّة التركيّة، احتجاجًا على عمليّات التّرحيل القصري للاجئين سوريين استقرّوا فيها، وفتَحوا محال تجاريّة ومطاعم، قرّرت السلطات إخلائهم بالقوّة، وإعادتهم إلى المُدن التركيّة التي تسجّلوا فيها ويحمِلون بطاقات حمايتها.

السلطات التركيّة لن تخضع لمطالب المُحتجّين السوريين أبناء مدينة إدلب أمام معبر باب الهوى، وتفتح الحدود لتدفّق مئات الآلاف من اللاجئين الجُدد بالتّالي، لأنّها تعلم جيّدًا أنّ هُناك مُسلّحين مُتشدّدين من بين هؤلاء يُعدّون بعشرات الآلاف، ويحملون الكثير من الغضب في باطنهم تُجاه تركيا، والرئيس أردوغان شخصيًّا، الذين يتّهمونه بالتخلّي عنهم، ومشروعهم السياسي، وعدم توفير الحِماية لهم في ملاذهم الآمن، أو بالأحرى “دويلتهم” في مدينة إدلب التي نزحوا إليها من مُختلف الأراضي السوريّة على ظُهور الحافلات الخضراء، وفي إطارِ تفاهماتٍ كانت تركيا أحد رُعاتها.

تركيا لم تعُد ممرًّا للسوريين، سواء باتّجاه الأراضي السوريّة للقتال في صُفوف المُعارضة المسلّحة، والتنظيمات السلفيّة من أجل إسقاط النظام، أو بالاتّجاه المُعاكس ‏لغزو أوروبا سلميًّا، والاستقرار فيها في “استراحة المُحارب” وأيّ لاجِئ سوري، أو غير سوري، يقتحِم الحدود سيطول مقامه في الأراضي التركيّة، وينضم إلى تجمّعات تضُم 3.5 مليون لاجِئ باتوا يُشكّلون عبئًا أمنيًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا على حزب العدالة والتنمية وحُكومته، وسحبًا من رصيد زعيمه الرئيس أردوغان السياسي والجماهيري.

السيد مولود جاويش أوغلو، وزير الخارجيّة التركي، قال بالأمس إنّ 200 ألف نزحوا إلى الحُدود التركيّة المُحكمة الإغلاق وإنّ 2 مِليون آخرين ربّما يفعلوا الشيء نفسه ‏ويكسِرون الحواجز بالقوّة، إذا لم يتم التوصّل إلى اتّفاق لوقف إطلاق النّار في ادلب.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سارع إلى إنقاذ حليفه الرئيس أردوغان، وأعلن اتّفاقًا بوقف إطلاق النّار، وافقت عليه السلطات السوريّة بدأ فجر هذا اليوم السبت، ولكن ما زال من غير المعروف ما إذا كان مُؤقّتًا أو دائمًا، والشّيء نفسه يُقال أيضًا عن الخطوات التي يُمكن أن تتلوه، ومن الجانب التركي خاصّةً.

الأمر المُؤكّد أنّها هُدنة مُؤقّتة، وهي الثانية في غُضون شهر، لإعطاء الرئيس أردوغان فرصة ثانية لتطبيق التّفاهمات التي جرى التوصّل إليها في قمّة موسكو الثنائيّة يوم الثلاثاء الماضي، وعُنوانها الأبرز القضاء على الجماعات الإرهابيّة، وهيئة تحرير الشام وحُلفائها تحديدًا.

الغارة الجويّة التي شنّتها طائرات أمريكيّة على الريف الجنوبي لمُحافظة إدلب اليوم السبت استهدفت تجمّعًا لقيادات “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقًا)، وتنظيم “حراس الدين” ربّما تكون الثّمن المُقابل والفوري لهذه الهُدنة، ومدفوعة من الجيب الأمريكي، وباتّفاقٍ مع أنقرة، لتجنيب الجانب التركي أيّ حرج، وكخطوة تمهيديّة، لتطبيق اتّفاق المِنطقة الآمنة المُتّفق عليها في شرق الفُرات.

***

ما زال من غير المعروف إذا كان أبو محمد الجولاني، زعيم جبهة النصرة، حاضرًا لهذا الاجتماع ومن بين القتلى الأربعين حسب بيان المرصد السوري لحُقوق الإنسان المُرتبط بالتحالف الأمريكي البريطاني أم لا.

السؤال الأهم هو عن الجِهة التي قدّمت المعلومات الاستخباريّة للتحالف الأمريكي عن مكانِ هذا الاجتماع ممّا سهّل عمليّة استهدافه وقصفه، وفي ‏هذا التّوقيت بالذّات، أيّ مع بدء وقف إطلاق النار، ولا نستبعِد أنْ تكون جهة “صديقة”، فمِثل هذه الاجتماعات تتّسم عادةً بسريّةٍ مُطلقةٍ.

الفقرة الأهم في المُؤتمر الصحفي المُشترك الذي جرى عقده بعد اختتام القمّة الروسيّة التركيّة في موسكو وردت على لسان الرئيس بوتين، وأكّدت على اتّفاق الرئيسين على القضاء على الجماعات الإرهابيّة في إدلب نهائيًّا.

هل هذه الغارة الأمريكيّة الجويّة، أو صاروخيّة، على اجتماع قيادات “النصرة” وحُلفائها هي نُقطة البداية والتّنسيق مع الجانب الروسي والتركي، وما هي الخطوات التركيّة التي ستتبعها؟ وهل ستكون إنذارًا صارمًا لهذه المُنظّمات بأنّه ليس أمامها إلى أحد خِيارين: الاستسلام أو القتل؟ وهل سيظل الجانبان السوري والروسي في موقع المُتفرّج في الأيّام والأسابيع المُقبلة؟ وحتّى متى؟

الأيّام القليلة المُقبلة ستُجيب على هذه التّساؤلات مع التّأكيد في الوقت نفسه أنّ بوتين هو الذي يجلِس حاليًّا أمام عجَلة قيادة الأحداث، ويفرِض أجنداته بالتّالي.. والقادم أعظم.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى