هل تعلمت واشنطن أي شيء من التدخل الروسي في سوريه؟

مع استمرار تغير الوضع على الأرض ضد الميليشيات المتطرفة التي غزت سوريه، تمكن الجنود السوريون مع القوة الجوية الروسية من توجيه ضربة مدمرة ضدهم، وخاصة ما يسمى الدولة الإسلامية. وبإفراط تحاول المصادر الإعلامية الغربية شرح سبب نجاح روسيا ضد داعش مقابل فشل الائتلاف بقيادة الولايات المتحدة.

وقالت صحيفة Le Figaro الفرنسية أن فلاديمير بوتين وحده من وقف وواجه الإرهاب، بينما اختبأ كل البقية صارخين بأن كل إنسان مسؤول عن نفسه. لقد امتلك رؤية واضحة حول ماهية أعدائه وكيف تجب محاربتهم. ولو أنه عجز عن دعم الأسد في أشد لحظات الحاجة، لمسحت الأقليات الدينية المسيحية واليزيدية والشيعة و غيرها نهائيا من سورية. ومن دون قيام الطائرات الحربية الروسية بشن هجمات يوما إثر آخر، ومع الاكتفاء بالرئيس الأميركي باراك أوباما والدبلوماسية الفرنسية المتضاربة بقيادة فابيوس، لما تمت استعادة تدمر. و ترى Le Figaro أن المعارضة المرنة التي أظهرها الروس ضد الإرهاب مجدت الحكومة الفدرالية الروسية و أظهرت أنها لا تزال مخلصة لجيشها ذي السمعة الحسنة و لأصولها الدبلوماسية.

وفي وقت سابق، قالت الصحيفة ذاتها أن هناك اختلافا حادا بين انجازات الجنود الروس والسوريين المقاتلين معا ضد الإرهاب وبين المحاولات العقيمة للولايات المتحدة في كل من سورية والعراق. و قال سفير الولايات المتحدة السابق تشاس فريمان للصحيفة بأننا نشهد خطة إستراتيجية ذكية وضعت في حيز التنفيذ من قبل روسيا. بينما الأميركيون يحاولون إقناع العالم أنهم لا يزالون يقاتلون داعش بشكل فعال، مع فشل وزير الخارجية الأميركي جون كيري في إقناع روسيا بإجبار الرئيس الأسد على التنحي، الأمر الذي كان هدف الولايات المتحدة الرئيسي في سوريه منذ البداية.

وكذلك قدمت لنا صحيفة Washington Post مقالاً ممتعاً عن الوضع في سورية جاء فيه:

” خلافا لمعظم القوات الخاصة الأميركية التي تقوم حاليا بتقديم النصيحة للميليشيات في سوريه والعراق من وراء الخطوط وعلى مستويات كتائب وألوية، فإن الوحدات الروسية الخاصة تشارك في المعركة إلى جانب الجنود السوريين على مستوى تكتيكي. ووجود القوات الروسية الخاصة والمستشارين على الخطوط الأمامية ساعد الجنود السوريين وحلفاء الرئيس الأسد في دمج المكاسب والحصول على أرضية عبر سوريه”.

وبدورها أكدت Daily Beast على أن الضربات الجوية الروسية في المعارك الأخيرة كانت الدليل على التزام روسيا بالقتال ضد داعش. وهذه الوسيلة الإعلامية لا تملك أدنى شك في أن التدخل الروسي في سوريه غيّر قواعد اللعبة، وعلاوة على ذلك، مكنت الانتصارات الأخيرة روسيا من تصوير نفسها كمدافع عن الحضارة في مواجهة الهمجية.

أما The National Interest فقد ذهبت أبعد من ذلك بقولها: ” التدخل الروسي ساعد في تحويل اتجاه الحرب لصالح نظام الأسد، والتدخل الروسي عمل بشكل كبير على تشويه السياسة الخارجية الأميركية في المجال الدبلوماسي”.

غير أن وسيلة الإعلام الكندية المؤثرة Global Research ذكرت أن الغرب كان انتقائيا في تغطية الصراع السوري والمعركة ضد داعش، مع محاولة التقليل من الدور لذي لعبته القوات العسكرية الروسية. و قالت الصحيفة لو أن الحلفاء الأميركيين انتصروا على داعش، بغض النظر عن تطرفهم و وحشيتهم، لرأينا الأميركيين يهتفون في الشوارع كما فعلوا بعد الاغتيال المزعوم ل “بن لادن”.ما يقود بشكل حتمي إلى التفكير بأولئك المسمون حلفاء و من سيكون منهم أول حكومة سورية منتخبة ديمقراطيا.

الصحيفة الاقتصادية الأميركية The Wall Street Journalتؤكد حقيقة أن هناك دروس يجب أن تتعلمها الولايات المتحدة من التدخل الروسي المحدود في الحرب السورية وقالت:

“حرب فلاديمير بوتين الممتازة الصغيرة في سوريه لم تنفجر دون توقف. و مع ذلك احتاج السيد بوتين لستة أشهر ليظهر للعالم أن مشاركات عسكرية متواضعة يمكنها تغيير ميزان القوى، و بأن ليس كل تدخل في الشرق الأوسط ورطة….إذن ما الذي يجب أن تفعله الولايات المتحدة في سوريه؟ التخلي عن دولة سوريه موحدة، دعم الحكم الذاتي الكردي شمال سوريه ودولة علوية حول اللاذقية مدعومة من روسية، مع شرط رحيل الأسد. تدمير داعش والمجموعات الجهادية السنية الأخرى بدمج القوة الجوية الأميركية مع إئتلاف الجنود السعوديين والمصريين والأردنيين.

و على خلفية تغطية كهذه، من قبل وسائل الإعلام الغربية ، تبدو الخطط القذرة للبيت الأبيض و السي آي ايه غير شريفة ، و هي المتعلقة باستبدال القتال ضد الإرهاب الدولي ،و بشكل خاص داعش، بإسقاط حكومة دمشق و التخلص من الرئيس بشار الأسد من السياسة السورية. و هذه الخطة إلى جانب أخريات شبيهات بها، وصفت بشكل دقيق في كتاب حمل عنوان “Left of Boom” ، و قد كتبه دوغ لوكس ، عميل سابق في السي آي ايه كان متورطا بشكل مباشر في عدد من العمليات المشابهة في أفغانستان و باكستان و سوريه.

كانت خطة البيت الأبيض عام 2012 ترمي إلى الاستيلاء على جزء من سوريه و استخدامه لشن هجمات ضد حكومة دمشق، و لكن في عام 2015 توسعت هذه الإستراتيجية عبر وثيقة أصدرتها مؤسسة Brookings تحت عنوان :” تفكيك سوريه: إستراتيجية جديدة من أجل أكثر الحروب الأميركية بؤسا” . وورد أن الفرصة الوحيدة أمام واشنطن لتحقيق نتائج مرضية في سوريه تكمن في تفكيك هذه الدولة عن طريق خلق اتحاد كونفدرالي يضم عدة مناطق تتمتع بحكم ذاتي. وهذه الخطة، التي نالت موافقة إدارة أوباما، تشير ضمنا إلى أنه يتوجب على البيت الأبيض الاستمرار في السعي لإسقاط الرئيس السوري الشرعي وتقليص الدولة التي كان يرأسها إلى عدد من المناطق غير المحكومة التي سيتنازع عليها أمراء الحرب والمقاتلون المتمردون و المنظمات الإرهابية.

ولكن هناك مشكلة صغيرة متعلقة بهذه الخطة، وهي أن ما من أحد في واشنطن يؤمن اليوم أن الجهاديين المدعومين من قبل الولايات المتحدة يمكنهم هزيمة القوات المشتركة الروسية –السورية والتي تعزل تدريجيا المقاتلين عبر سورية. و لهذا كانت الخطة “ب” التي تتضمن خلق ملاذ آمن للإرهابيين على طول الحدود السورية- التركية. هذه المنطقة سوف تسمح للولايات المتحدة و “شركاءها في الجريمة” بالقيام على تسليح و تدريب و رعاية الإرهابيين. و ما من شك بأن قوات أميركية خاصة ترسل إلى سوريه بأعداد كبيرة في الأيام الحالية و مهمتها الإشراف على العملية لضمان سير كل شيء وفقا للخطة.

و لكن ربما حان الوقت من أجل أن يضع البيت الأبيض نهاية لسياساته الفاسدة في الشرق الأوسط. و عوضا عن ابتكار خطط معادية لروسيا، يجب أن تبدأ الولايات المتحدة قتالا فعليا ضد داعش في سورية و العراق لحماية العالم من “طاعون القرن الواحد و العشرين الأسود”. ربما بعد ذلك قد تحصل واشنطن على إطراء حقيقي في وسائل الإعلام من أجل تصرفاتها الواقعية، و لمساهمتها الحقيقية في القتال ضد الإرهاب الدولي.

مجلة New Eastern Outlook الالكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى