كتاب الموقعنوافذ

هيجان ومنع هيجان(هل علينا أن نعيش زمننا إلى جوار سيوفنا؟)

هيجان ومنع هيجان(هل علينا أن نعيش زمننا إلى جوار سيوفنا؟)  … ” عجباً… كم أن العالم أمريكي من “شتاينبك” إلى ” الفاتيكان!”
حين قيلت هذه الجملة لم يسـتبعد قائلها مفعولها المسـتمر في المسـتقبل القريب والبعيد.
شتاينبك، الكاتب الأكثر شـهرة بروايته “عناقيد الغضب”. كان قد وصف القنابل التي تلقيها طائرات ب 52 على فيتنام بأنها، وهي تهوي، تشبه أصابع البيانو ! وأما الفاتيكان، حسب هذه الجملة ، فإن نصف تدمير أوروبا الشرقية (الشيوعية) تم بواسطة قنابل المواعظ الكنسية. بداية من “غدانسك” الميناء البولوني، وزعيم حركة التضامن العمالية ” ليـش فاليسـا”. بمباركة من الفاتيكان عندما كان البـابـا بولونياً.
وليس من الغريب أن يصنّع الأمريكيون شيئاً يضطرون إلى تدميره أو تغييره. ويتم ذلك، حقاً، بنوع من الهوس، واللعب الفظ على الاحتمالات. كتصنيع القاعدة، ثم قتل زعيمها. وبمقدار ما يدل ذلك على التخطيط الذكي للتدخل الدائم في شؤون العالم… بمقدار ما يمكن الوقوع في التخبط العشوائي في محاولة حل مشاكل العالم.
أظن أن الأمريكيين،( بتخطيط نوايا وليس عملاً بحرية الإبداع والإنتاج) هم الذين صنعوا ” الفيلم الضجة” حول الإسلام. فالربيع العربي يفتخر قادته ، وسـادته بأنـه ربيع إسـلامي. وأمريكا نفسها ، ربما تفتخر بأنها سـاهمت بأصابع بيانـو شـتاينبك
بالعزف على نغمة “إسلام حديث” خير من ديكتاتوريات الشيشة والأزياء المتنوعة.. كما كانت أمريكا قد عـزفت على طنبـور “الإسـلام المتعصب” لإزاحـة أزلام الماركسية الأميين في كابول.
والآن بدأت التباشير. وأول رقصة سيف تحت راية سوداء… انغرس النصل في صدر السفير الأمريكي في ليبيا، وأربعة من زملائه… وهم جميعاً، وعلى رأسـهم السفير طبعاً، كانوا الجزء الأساسي، السري والفعال، في غرفة عمليات قصف ليبيا
وقصف معمر القذافي ونظامه. وصولاً إلى مصر… إلى اليمن حيث احتاجت القبيلة اليمنية إلى معونة المارينز لحماية سفارة.
مصر، طبعة الإسلام الجديدة، المنقّحة بحبر صندوق الاقتراع… لها خصوصيتها. وأول هذه الخصوصية المفارقة المضحكة والتراجيدية… أن شرعية الإخوان المسلمين في مصر جاءت، ليس من برنامجهم السياسي، وليس من العمق الديني للحركة، وحسب، بل من الفعل الدراماتيكي الذي قام به” خالد الإسلامبولي” حينما ملأ صدر السادات برصاصات الغضب الإسلامي ـ الإخواني ـ على معاهدة كامب ديفيد! فمصر( سواء بأخلاقيات عبد الناصر القومية، أو بتراثيات الإسلام السياسي المعادي لليهودية وإسرائيل الدينية) تصفق لمن يطلق النار على مصالحات الأمــر الواقع. وهكذا وجد الإخوان( الإسلام الجديد حسب التقديرات الأمريكية) وجدوا أنفسهم في أولى امتحانات التناقض بين”العقيدة” و” العصيدة”! العقيدة محكمة الإغلاق على ثار من المستسلمين . والعصيدة، التي هي الخبز منقوعاً بحليب دول المساعدات لمصر.
هكذا يلحس الإسلام السياسي الجديد توقيعه على تعهداته القديمة… فيصرح بأن اتفاقات الماضي هي التزامات الحاضر.
ثمة ورطة قد لا ينتبه إليها بشدة الشارع السياسي العربي… وهي ما عبرت عنه فضيحة الفيلم… حيث ثمة في الشارع فريقان غريبان: المحتجون الغاضبون من المسلمين( الإخوان) والشرطة التي هي شرطة الإخوان بهراوات وقنابل لتفريق الفريق الواحد. ما هذا التناقض الجديد؟
في الحقيقة هي محنة أن تكون الثورة المحمولة على أهداف الشعب، مضطرة  للانتعاش من الغاز المسيل للدموع، في غرفة أمريكية. حيث يجب على الشعب أن يكون عدواً وصديقاً لطرف واحد، في آن واحد!!
إن معاهد الدراسات… التي تقدم خيارات مفتوحة، أو محددة لصنع السياسات، ولخلق البيئات الاستراتيجية… هذه المعاهد قد تضلل الصانع، أو هي لا تعرف معرفة نزيهة، حقيقة الميدان وحقل المعركة.. وعلى هذا الأساس ، قد يجد الأمريكيون أنفسهم، ذات يوم ومرة أخرى، داخل الفك المفترس الذي شحذوا أنيابه وألبسوه الحلة الجديدة … الإسلام السياسي. وإذا كانت مثل هذه الخيبات” مؤلمة” فهي في ذات الوقت غير” مكلفة”. فشعوب تقتل بعضها. ودول تعادي بعضها، وبلدان تمزق نفسها، وأديان وطوائف وملل ونحل وأثنيات ، ومنقرضات… تستيقظ كلها، من الصباح للمساء، لتؤدي الخدمات في التدمير الذاتي!
ما الذي يفوق أهمية الاستسهال في خلط المصائب مع المشاكل مع التعقيدات بضربة واحدة بسيطة : اصنع فيلماً ضد محمد، واترك المسلمين يتهيجون في شوارع الخسارات… ويتلهون عن يومهم الأسود؟
المسلمون يعلمون، (وفي النصوص) أن الإسلام قادر على حماية نفسه دون جند الأرض، ورعاع الصوت، بجند السماء، وقدرة الديمومة لدين، لو أنه قابل للزوال ، لانقرض منذ ألف وخمسمائة سنة.
المضحك أن الحكومات العربية تسابق شعوبها في الهيجان، وهي مضطرة لقطع طريق هذه الشعوب بمنع الهيجان.

 

بوابة الشرق الاوسط الجديدة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى