هَل سَيُؤدِّي لِقاءُ موسكو الرُّباعي والقِمَّة الثُّلاثيّة الروسيّة التركيّة الإيرانيّة التي ستُعقَد بعد أيّامٍ إلى حَلٍّ نِهائيٍّ لأزمَتيّ مِنبج وإدلب مَعًا ونَزْع فَتيل مَشروع الفِتنَة المُتَمَثِّل في انسِحابِ القُوّات الأمريكيّة المُفاجِئ؟

 

ما زالَ الوَضع في مدينة مِنبج السوريّة الخاضِعَة لسَيطرةِ قُوّات حِمايَة الشعب الكرديّة يتَّسِم بالغُموض، فرغْم دُخول وحَدات مِن الجيش العربيّ السوريّ إلى المدينة ورفْع العلم السوريّ على المَبانِي الحُكوميّة، ما زالَت الحُشودات التركيّة بقُوّات تابِعة للمُعارضة السوريّة تُرابِط على حُدود المَدينة انتِظارًا لتَعليمات أنقرة ببِدءْ الهُجوم.

موسكو شَهِدَت اليوم السبت اجتِماعًا رُباعيًّا طارِئًا لوزراء الخارجيّة والدِّفاع الروس والأتراك لبَحثِ العَديد مِن القضايا، أبرزها الوضع في مِنبج أوّلًا، ووجود الجَماعات المُسلَّحة في مُحافظة إدلب ثانيًا، ولكنّ انْفِضاض الاجتماع الذي ضَمَّ سيرغي لافروف (الخارجيّة)، وسيرغو شويغو (الدِّفاع) مِن الجانِب الروسيّ، ومولود جاويش أوغلو (الخارجيّة) وخلوصي أكار (الدفاع) من الجانب التركيّ، لم يَحسِم الأمْر بشَكلٍ نِهائيٍّ، ورُبّما جَرى التَّوصُّل إلى تجميد القَضيّتين السَّاخِنَتين الرئيسيّتين (مِنبج وإدلب) إلى اجتماعِ القمّة الثُّلاثيّ الذي سيُعقَد في الأيّام القَليلةِ المُقبِلة، بزَعامَة الرئيس فلاديمير بوتين، ومُشارَكة كُل مِن الرئيس التركيّ رجب أردوغان، والإيرانيّ حسن روحاني.

الرُّوس يتفاوَضون مَع الأتراك نِيابَةً عَن الحُكومة السوريّة، بالإضافةِ إلى مصالح حُكومتهم، والنُّقطَة الرئيسيّة على قِمّة جَدول أعمالِهم مَنْع حُدوث تَصادُم عَسكريّ بين القُوّات السوريّة والتركيّة، وسواء في مِنبج أو مُحافَظة إدلب.

قرار الرئيس الامريكي دونالد ترامب المُفاجِئ بسَحْب جَميع قُوّاته من سورية (2200 جندي) هو مَشروع فِتنَة، عُنوانه الأبْرز تَصدير “الأزَمَة الكرديّة” في سورية إلى روسيا وحَليفِها السوريّ مِن ناحية، وتركيا مِن النَّاحيةِ الأُخرَى.

تركيا هدَّدَت بشَنِّ هُجومٍ للقَضاءِ على قُوّات سورية الديمقراطيّة التي تُشَكِّل وحدات حِمايَة الشعب الكرديّة عَمودها الفِقَريّ، وإنْهاء “دَولتها” غير المُعلَنة شَمال شَرق سورية وعلى طُول نَهرِ الفُرات، الأمر الذي دفَع المجلس الديمقراطيّ الكُرديّ إلى طَلبِ حماية الجيش العربيّ السوريّ باعتبارِه شَرق الفُرات أراضٍ سوريّة.

السُّلطات السوريّة لبَّت النِّداء في منبج، ولكنّ مشكلة الأسلحة الثَّقيلة الأمريكيّة الصُّنع التي ما زالَت في يَد هَذهِ القُوّات ما زالَت تحتاج إلى حسم، وبمَعنى آخَر، تُعَرقِل عودَة سِيادَة الحُكومة السوريّة كامِلةً إلى هَذهِ المَناطِق.

الأخطَر مِن كل هذا هو كَشف أكثَر مِن جنرالٍ أمريكيٍّ لوكالة “رويترز” للأنباء بأنّ القُوّات الأمريكيّة المُنسَحِبة مِن شمال شرق سورية ستترك جميع أسلِحَتها الثَّقيلة للأكراد، بِما في ذلِك دبّابات ومُدرَّعات وصواريخ مِن كُل الأنواع والأبعاد بِما فيها تِلك المُضادَّة للدُّروع.

الطَّرَفان السوريّ والتركيّ يلتَقِيان على أرضيّةٍ واحِدةٍ وهِي ضرورة نزْع جَميع هَذهِ الأسلحة مِن الوَحدات العَسكريّة الكُرديّة، ولكنّ قنوات الحِوار المُباشِر بين الطَّرفين مَقطوعة، الأمْر الذي يُصَعِّب مِن مُهِمَّة الحَليف الروسيّ الذي يَقِف في الوَسط بيْنَهُما.

مُستَقبل مدينتيّ مِنبج وإدلب السُّوريّتين سيُقَرِّر مَصير المِنطَقة بأسْرِها، وسيَرسُم خريطة التَّحالُفات ومُعادَلات القُوَّة فيها، ونَعتقِد أنّ اللِّقاء الرباعيّ الذي انْعَقَدَ في موسكو، ومِن بعده القِمّة الثلاثيّة سيَكون لَهُما الدَّور الأكبَر في هذا الصَّدد.

مُقايَضة نزْع أسلِحَة قوّات سورية الديمقراطيّة في شَرق الفُرات جَنْبًا إلى جنب مع نَزعْ أسلِحَة الفَصائِل المُسلَّحة، والنُّصرة خاصَّةً في إدلب، سيَكون جَوهَر تَسوِيَة الفُصول النهائيّة في الأزَمَةِ السوريّة وبِدَورٍ روسيٍّ فاعِلٍ، وهِي تَسوِيَةٌ إذا تَرسَّخَت، وجَرى احتِرامُها مِن جَميع الأطراف، ستُؤدِّي إلى استِقرارٍ طَويلِ الأمَد للمِنَطقة بأسْرِهَا، ورُبّما فتْح باب المُصالَحات الإقليميّة، خاصَّةً بينَ أنقرة ودِمَشق.. واللُه أعْلَم.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى