وسام الحسن الصندوق الأسود للبنان (عامر راشد)

عامر راشد

ينتظر اللبنانيون حدوث موجات ارتدادية سياسية وأمنية لزلزال جريمة اغتيال رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي اللبناني العميد وسام الحسن، من غير المستبعد أن تمتد تداعياتها إقليمياً ودولياً لما كان يتمتع به القتيل من مركز ثقل في المعادلة الداخلية اللبنانية، بين قوى الثامن من آذار وقوى الرابع عشر من آذار، ببعديها الإقليمي والدولي.

العميد الحسن حمل معه الكثير من الأسرار حول جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وجرائم اغتيال العديد من القادة السياسيين والعسكريين والأمنيين اللبنانيين، و"ملف شهود الزور" ومجريات التحقيق والبحث عن أدلة في جرائم الاغتيال تلك، واعتقال الضباط الأربعة، اللواء جميل السيد، المدير العام السابق للأمن العام، واللواء علي الحاج، القائد السابق لقوى الأمن الداخلي، والعميد مصطفى حمدان، القائد السابق للحرس الجمهوري، والعميد ريمون عازار، الرئيس السابق لجهاز المخابرات العسكرية، الذين اعتقلوا كمشتبه بهم في اغتيال الرئيس الحريري بناء على طلب رئيس لجنة التحقيق الدولية الأول، ديتليف ميليس، وأفرج عنهم في نيسان/أبريل 2009 بقرار قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الحريري، دانيال فرانسين، بعد ما يقارب أربع سنوات قضاها الضباط الأربعة في السجن دون توجيه أي تهمة لهم.
وحمل العميد وسام الحسن معه أيضاً أسرار زعماء الطوائف السياسية في لبنان، والمواجهة المفتوحة مع شبكات التجسس الإسرائيلية، التي فكك منها – من خلال الجهاز الذي يقوده – أكثر من ثلاثين شبكة، واعتقال الوزير اللبناني السابق ميشال سماحة بتهمة نقل متفجرات من سوريا والتخطيط لزعزعة الأمن والاستقرار اللبناني، ناهيك عن المواجهة مع تنظيم "فتح الإسلام" والمجموعات الأصولية المتطرفة و"خلايا القاعدة النائمة" في لبنان، وخفايا العلاقات السورية اللبنانية بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتنسيق الأمني بين جهازه الأمني وأجهزة المخابرات الدولية والإقليمية.
فقد كان العميد الراحل وسام الحسن "الصندوق الأسود" الذي يحفظ أسرار أخطر مرحلة مرَّ بها لبنان بعد نهاية الحرب الأهلية باتفاق الطائف، والتغير العاصف في العلاقات اللبنانية- السورية بالخروج العسكري والأمني السوري من لبنان تطبيقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1559، وتقلبات العلاقة بين حكومتي البلدين، ما جعل الراحل أكثر الشخصيات اللبنانية المثيرة للجدل والاختلاف حولها بين اللبنانيين أنفسهم، وبين الحكومة السورية وفريق قوى الرابع عشر من آذار.
وترك الراحل وراءه لغز عملية اغتيال راح ضحيتها، لكنها ستظل ضاغطة على عصب التوازنات الداخلية اللبنانية، بطي ملفات وفتح ملفات أخرى، بغض النظر عن استطاعة الأجهزة الأمنية اللبنانية الكشف عن الجهات التي تقف وراء جريمة الاغتيال أو تقييدها ضد مجهول مثل الجرائم السابقة. فالتسرع في توجيه الاتهامات السياسية قبل أن تستكمل الجهات الأمنية المختصة تحقيقاتها كفيل بتفجير الوضع الداخلي اللبناني، وإعادته إلى الأجواء المشحونة التي سادت بعد اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط/فبراير 2005، ووصلت إلى ذروتها في أحداث 7 أيار/مايو 2008 بما وقع من صدام مسلح بين قوى الموالاة والمعارضة في ذلك الحين – "قوى 14 آذار" و"قوى 8 آذار"- وما نتج عنه من إرساء معادلة داخلية لبنانية قادت المعارضة لاحقاً إلى سدة الحكم، وأعادت الدور السوري كرقم صعب في العلاقات البينية اللبنانية.
ما هو مصير المحكمة الدولية الخاصة بمقتل الرئيس رفيق الحريري؟ وهل سيطوى ملف ما يسمى بـ"شهود الزور؟ كيف سيؤثر غياب العميد الحسن على متابعة ملف شبكات التجسس الإسرائيلية؟ ما مدى خطورة الاختراق في الأجهزة الأمنية اللبنانية الذي ساعد على تنفيذ عملية الاغتيال؟ هل ستتسلل عدوى العنف إلى سوريا من ثغرة دفرسوار جريمة الاغتيال؟ من سيملئ الفراغ الكبير الذي تركه؟ فضلاً عن عشرات الأسئلة الصعبة والمفصلية ترتبط في شكل مباشر أو غير مباشر بالهدف من وراء جريمة الاغتيال.
مما لا شك فيه أن مقتل العميد وسام الحسن سيؤثر في كل الملفات التي تثار حولها الشبهات كسبب لاستهدافه، غير أنه لا يمكن القول إن الجهة التي نفذت عملية الاغتيال ستحقق ربحاً صافياً، إلا إذا كان هدفها خلط الأوراق، وفي مثل هكذا تصور لا مصلحة لأي طرف داخلي لبناني في تفجير الوضع، خاصة في ظل الظروف التي تعاني منها سوريا، والمخاوف من عدوى انتقال العنف إلى لبنان على ضوء الاستقطاب الحاد بين حلفاء سوريا ومعارضيها، والاتهامات المتبادلة بالضلوع والتورط في الأزمة السورية بدعم أحد طرفي الصراع.
كما أن توقيت عملية الاغتيال على أبواب الانتخابات النيابية اللبنانية العام القادم سيفاقم حدة الاستقطاب السياسي، وربما يدخل لبنان في دوامة من الفراغ السياسي يعيده إلى ما قبل "اتفاق الدوحة" 21 أيار/مايو 2009، في حال أدت المواقف المتشنجة من جريمة الاغتيال إلى انفراط عقد حكومة الرئيس نجيب ميقاني، لاسيما أن زعيم الحزب الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط، الذي يمثّل بيضة القبان في استقرار الحكومة، سارع لتوجيه الاتهامات إلى سوريا، وهو ما يحمل في طياته أيضاً اتهاماً لحلفاء سوريا في لبنان.
ولذلك إذا كان من المهم الكشف عن لغز اغتيال العميد وسام الحسن "الصندوق الأسود" لأسرار السنوات السبع الأخيرة التي عاشها لبنان، فإن الأهم أن تحافظ القوى السياسية اللبنانية على اتزانها في ردود فعلها على الجريمة، كي لا ينجرَّ البلد إلى دوامة عنف تحرق الأخضر واليابس، ليس من قبيل المبالغة الجزم بأنها ستكون أخطر بكثير من الحرب الأهلية اللبنانية 1975، وبما لا يقاس معها، لأنها ستشكل امتداداً للأزمة الداخلية السورية، يتغذى منها ويغذيها.

وكالة أنباء موسكو

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى