«وهم» الصفقة الكبرى بين موسكو وواشنطن

 

في مناسبات عدة، حرص الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على التمايز عن حلفائه عبر إعلان تأييده إحياء مجموعة الدول الثماني، عبر الجمع مجدداً بين الدول السبع وروسيا، بعدما أُقصيت الأخيرة من المجموعة عام 2014. لكن التباين حول موسكو يتبدّى بوضوح أكبر داخل الولايات المتحدة. فالرئيس الذي يسعى إلى التقارب معها، يتعرّض لنقد عنيف في الكونغرس و«البنتاغون» اللذين يؤيدان سياسة أكثر تشدّداً حيالها. إعادة النظر في العلاقات مع روسيا، التي يطالب بها ترامب، مرتبطة بمحاولته تقديم محفّزات لها لحثّها على فكّ تحالفها مع الصين. إيغور دولانوي، نائب مدير المرصد الفرنسي – الروسي في موسكو، والخبير بشؤون السياسة الخارجية والدفاعية الروسية، مقتنع بأن سياسة الرئيس الأميركي محكومة برؤيا مركنتيلية للنظام الدولي تَغلِب فيها المنافسة الاقتصادية على ما عداها من اعتبارات، وترى في الصين العدو الاستراتيجي للولايات المتحدة. «ترامب مدرك لصعود القوة الصينية، ويشنّ حرباً اقتصادية عليها، ويريد أن تنضم روسيا إلى معسكره. هذا لن يحصل، لأن مشروعه يتجاهل الأهداف الخاصة لروسيا والرؤيا التي تندرج في إطارها تلك الأهداف»، بحسب دولانوي.

وبرأيه، إن التناقضات بين ترامب وجزء من المؤسسة الحاكمة الأميركية تجاه روسيا تعود إلى التصورات الخاطئة أو غير الدقيقة التي يتمسّك بها بعض السياسيين. «المنظور القديم الموروث عن الحرب الباردة ما زال مؤثراً، على الرغم من تغير الظروف: أهمية الأيديولوجيات تراجعت، ويقود صعود قوى جديدة إلى إعادة صياغة النظام الدولي على قاعدة التعددية القطبية غير المنسجمة مع التصورات الأميركية». ومن هنا، يعرب الخبير عن اعتقاده بأن المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة حتمية، لأن «قطاعاً واسعاً من النخبة والمجتمع الروسيين غير مستعد للقبول بقيادة أميركية للعالم. روسيا عادت قوة عسكرية، وفي مجال الطاقة، في إطار مواجهتها مع الولايات المتحدة، وحصلت على العديد من المكاسب بفضلها».

العديد من المراقبين والمحللين للسياسة الأميركية يجزمون بأن واشنطن لا تستطيع خوض صراع متزامن على جبهتين مع موسكو وبكين. هذه هي الخلفية الأولى لفرضية الصفقة الكبرى بين الولايات المتحدة وروسيا. دولانوي يعتقد أن الصفقة المذكورة مجرد وهم. منذ الأزمة الأوكرانية عام 2014، تَعزّز التعاون العسكري وفي مجال الطاقة بين روسيا والصين، وتَحوّل التقاطع بينهما إلى شراكة استراتيجية ضد الولايات المتحدة. إضافة إلى ذلك، يشير دولانوي إلى أن «جدول الأعمال الثنائي الروسي – الأميركي يتلخص في نقطة واحدة: تجنب مواجهة مفتوحة ستكون نتائجها كارثية بالنسبة إليهما». ويلفت إلى أن التعاون في ميدان نزع التسلح يتراجع منذ «مبادرة براتيسلافا للأمن النووي» سنة 2005، وأن الحوار بات شبه معدوم بين الطرفين. ووفقاً له، فإنه «باستثناء معاهدة السماء المفتوحة، التي تسمح للدول الموقعة عليها بتسيير طائرات مراقبة غير مسلحة فوق أراضي بعضها لجمع المعطيات عن قدراتها وأنشطتها العسكرية، من أجل بناء الثقة وتعزيز التفاهم فيما بينها، لا يتقاسم الروس والأميركيون أي معلومات أو معطيات أخرى».

جميع الآمال التي عُلّقت على الحوار حول قضايا الطاقة تبدّدت بعد الخلاف المعلن بشأن تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي بين موسكو وواشنطن. «حتى قبل الأزمة الأوكرانية، لم يكن هناك مضمون جدي لأي حوار استراتيجي روسي – أميركي، وازدادت الأمور سوءاً بعدها. قد توفر العودة المفترضة لروسيا إلى مجموعة الدول الثماني فرصاً لعودة الحوار بين الطرفين، لكنني لست متأكداً من أن روسيا ترغب في العودة»، يختم دولانوي.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى