كلمة في الزحام

يحتجون وهم في الحكم

 

منذ أيام، احتل أنصار حزب حركة النهضة الإسلامية في تونس، شارع محمد الخامس، وذلك في مسيرة سميت ب”الاحتجاجية”.. احتجاج ” على شو؟.. ما بعرف” كما يقول أهالي الشام، ذلك أن الجميع يحتج على الجميع في بلادنا مثل ضفادع بركة آسنة.

جاء كل هؤلاء فرادى وجماعات، ومن كل حدب وصوب، وذلك في رسالة لا تحمل أي طابع بريدي، لكنها توحي بأكثر من رمزية سياسية تبدأ من منطقة مونبليزير التي تحوي مقر الحركة، تدير ظهرها إلى شارع خيرالدين باشا، واضع أول دستور في البلاد العربية والأفريقية سنة 1961، تمشي في شارع الملك الوطني المغربي الكبير محمد الخامس، والمتعامد مع شارع الحبيب بورقيبة، ومن أراك من الحبيب بورقيبة ورمزيته في تونس.

تجمّع هؤلاء في ساحة “حقوق الإنسان” رافعين شعارات “إنسانوية”. وكان من تبعات الحدث أن منعوا الطرق السالكة نحو الصيدليات والمستشفيات والمقاهي والمتاجر والمطاعم والحانات، يوم ” سبت تونسي” يعج بطالبي الراحة والهدوء والسكينة في هذه الأيام الكئيبة.

هذه المسيرة تشكّل استعراض قوة ولكن على من؟ على عمال المقاهي والمطاعم والمحلات الذين يتثاءبون أمام بعضهم والذباب؟ على عناصر الشرطة والأمن الوطني الدين أعياهم التأهب في المدن والإرهاب يستوطن الجبال البعيدة؟ على أبناء هذا الشعب الذي ملّ ثم ملّ ثم ملّ؟

ثمة نفوس مأجورة وقع شراء ذممهما مقابل بضعة دينارات فخرجت تصرخ ضد أي شيء، حتى أنك تشاهد في حشودهم الهائجة المعوزين والفوضويين والعدميين.

ليس الأمر اصطفافا حزبيا مع طرف ضد آخر، لكنه صرخة غضب في وجه العبث. ماذا يريد هؤلاء.. “هل نحن ناقصين؟.

دعونا كما نحن ـ وكما كنا ـ .. مساجد مكتظة، خمارات مكتظة، مسارح مكتظة.. ورؤوس مكتظة بشتى الأفكار، ما عدا تعطيل الطرق العامة.

هل على البلاد أن تتمزق بين ثلاثة قصور كان قد أقامها البايات من ملوك تونس في العهود البائدة: قصر باردو، حيث برلمان الغنوشي، قصر القصبة، حيث حكومة المشيشي، وقصر قرطاج، حيث الرئيس سعيّد؟

نحن  ـ يا أيها الفرسان الثلاثة ـ لا نريد سوى الطرقات السالكة نحو بيوتنا ومدارس أطفالنا.. وأماكن أخرى، حيث نقصف أعمارنا قصفا، ولا نطلب رد القضاء بل اللطف فيه.

خذوا حصتنا من دمنا وانصرفوا، تظاهروا، ولكن ليس بيننا، فلدينا على هذه الأرض ما يستحق أن يكتب الواحد عمودا صحفيا في هذه الجريدة دون غضب، ثم يمشي مترجلا في شارع محمد الخامس، ليصل إلى شارع بورقيبة، يقابل الأصدقاء، يضحك أو يبكي قليلا، ويعود لبيته فرحا ومسرورا ومغموما.

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى